actualite

الخطاب السياسي لعثمان سونكو
بين التمسك بالمبادئ والانفتاح على استراتيجية التحالفات

جبريل لي السماوي

من المُلاحظ في النقاشات السياسية، أنّ ثُلّةً من المثقّفين والدّارسين، يشعرون بالتّباين وبالازدواجيّة الفكريّة، في خطاب الزّعيم سونكو، حيث يقسمون مراحل خطابه السّياسي إلى قسمين :
-مرحلة الشّفافيّة والوضوح في طرح برنامجه: حيث عكف على عالم النظريات، والتصوّرات، وعرض الحقائق للرأي العام، بأسلوب راديكالي قويّ، يعطيه قاعدة جماهيريّة صلبة ، فنقد الأسلوب القديم المُتلوّن، الذي كان الساسة يسيرون عليه، مُحاولا بذلك بناء صحوة سياسيّة، تتّسم بالوضوح ومراعاة القيم والأخلاق …
-مرحلة البراغماتيّة السياسية والمُراوغة: حيث وظّف قاعدة ماكيافيلي السياسية ( الغاية تُبرّر الوسيلة ) فانصرفت عن مثاليّته القديمة ومن راديكاليته في الخطابة، ليتأقّلم مع الواقع، ومع البيئة السياسية السنغالية، فمارس العمل السياسي مثل الليبراليين والسُّوسِياليين ( صُنّاع السيستيم)
حتّى وصل بعضهم إلى القول أنّه كان سلفيّا ملتزما، لكنّه تنازل عن انتمائه (الطائفي الدّيني) وتبنّى مُوالاة طائفة دينيّة أخرى (لها حجمها ونفوذها على مستوى الدّولة ) كورقة للتّلاعب بالرأي العام، ولتمحيص نفسه من الشّك، لأجل الحصول على أهداف استراتيجيّة، ومصالح سياسيّة محضة، ولو على حساب المبادئ والقيم ….

أوّلا نقول / إنّ الزّعيم سونكو ارتكبَ الكثير من الأخطاء السّياسيّة في بداية خوضه حلبة السياسة ، نتيجة غياب خبرته السياسية آنذاك ، فقد حصر مفهوم السياسة في (المثاليّة) مثل الفارابي، و أفلاطون الذي سافر إلى أقصى الخيال لبناء مدينته الفاضلة، ولم يُدرك بأنّ مفهوم السياسة العمليّة وكيفيّة مُمارستها، تختلف كلّيًا عن النظريّات السياسة، فالنظريات السياسية تتحدّث عن ( ما ينبغي أن يكون) لكن ما هو كائن في الممارسة السياسية هو الذي يُشكّل الفضاءات الحقيقيّة، فالسياسة هي : فن تحقيق الممكن، وبناء المساحات المشتركة، وقطع جزء من الطريق مع كل سائر.. دون الانحراف عن الوجهة، أو التفريط في المبدأ ،
ولأجل أن ينجح الرّجل السياسي، لا بدّ له من التوازن بين (المثال والواقع) فالمثال عبارة عن أفكار وعقيدة الرّجل السياسي، والواقع هو الطريق الذي سيمرّ عليه للوصول إلى أهدافه، والآليات التي سيتّكئ عليها لصناعة المساحة التي سيضع فيها قدمه لترجمة عقيدته السياسية، دون التفريط في المبدأ

(سونكو والعمل مع رجال السيستيم)

المسألة هنا ليست التنازل عن المبادئ، والتغيير في جذور الخطاب، كما يتوهّم الكثير من النّاس، وإنّما هي فقه للواقع السّنغالي، وتطوّر في النضج السياسي، فالبنية الاجتماعيّة السنغاليّة، تفرضُ على الرّجل السياسي، خلق تحالفات وائتلافات، وعدم فتح جبهات حرب مع المعارضة، قبل الوصول إلى الغاية التي رسمها لنفسه ..لأجل كسب مناورات سياسية مع المنافس في الحقل السّياسي ..
هنُا سأستحضر كلام الزعيم السوفياتي السابق ( استالين ) الذي كان يقول ( إنّ ممارسة العمل السياسي تحتاج إلى اعْوِجاجات في السّير ، لأنّ الخطّ السياسي ليس مستقيما ) والاعوجاج في السيّر منه ( التحالف مع “السيستيم ” الذي كان الزعيم ينقده بالأمس، مقابل كسب رهانات سياسية ضدّ ائتلاف الحزب الحاكم ) فالزّعيم تعامل مع رجال من (السيستيم) ليس لأنّه تنازل عن مبدأ وتجرّد من عقيدة، وإنّما فعل ذلك مُمارسةً للعمل السياسي، وتأقّلما مع الواقع الذي كان يجهل خباياه لمّا كان في عالم الأُطُر والنظريّات، مرحلة ما قبل الانخراط في الميدان والساحة السياسية، ولا يمكن هدم أركان ( السيستيم ) والتغيير نحو الأفضل، دون الانخراط فيه، فحتّى رسول الله عليه الصلاة والسّلام، تأَقْلم مع الواقع السياسي في المدينة المنوّرة، فدستور المدينة كان تهدف إلى تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات في المدينة، وعلى رأسها الفصائل اليهوديّة وغيرهم، حتى يتمكن بمقتضاه المسلمون واليهود وجميع الفصائل من التصدي لأي عدوان خارجي على المدينة، هذا كان قبل أن يكون للاسلام قوّته الضاربة، وترسانته العسكريّة الصلبة، ولمّا رسخ قواعد الاسلام سياسيّا وعسكريّا نظّف يثرب من اليهود والخونة ….

ختامًا / يجب التركيز على البرنامج السياسي الذي طرحه الزّعيم سونكو ( المشروع الذي يحمل أمل أمّة، ويثور على الفساد والرشوة وسوء توزيع الثروة) أمّا التركيز على نقد خطاباته السياسية ووصفها بالازدواجية، في هذا الوقت العسير الذي تكالبت علينا الأنظمة القمعيّة، لسرقة موارد البلاد والتلاعب بمؤسّسات الدولة…فليس من الوعي السياسي في شيء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى