الأحداث في مالي .. بداية النهاية للإستعمار الجديد ..؟
شعيب حامد لوح
منذ زمن والقارة الإفريقية بغربها تهبُّ فيها عاصفة تُعاكس هِواية فرنسا بالأخص؛ عاصفة تمتزج بها خطابات لها أثرها الفعَّال في نفوس مشتاقة للحرية والكفاح والنضال، نفوس تستلهم في حربها قادةً لقَوا حتفهم بسبب مواقفهم المضادة لسياسة فرنسا التي تعتبر نفسها سيدا بيدها زمام أمور الدول الأفريقية ، ترسم لها سياستها الداخلية والخارجية معا دون أن تكون لها حق النقد والنقض والاحتجاج.
لا تخفى على أحد تلك العلاقة التي تربط فرنسا بإفريقيا والتي صاحبتها أحداث مأساوية من استعمار .. بل استحمار الإفريقيِّين وإفشال كل مشروع يهدف إلى توعية إيقاظ أبناء القارة، فسجنتْ فرنسا بعضا ، ونفتْ قوما ، وقتلتْ آخرين؛ فأفضل ما يمكن أن توصف بها هذه العلاقة أنها نقطة سوداء في جبين تاريخ فرنسا.
واليوم من دولة مالي إلى غينيا كوناكري وبوركينا فاسو بلد توماس سانكارا ، وكذلك السنغال نوعاما المعادلة واحدة والهدف هو نفسه: الخروج من ربقة المستعمر في ثوبه الجديد، والنهوض بالقارة اعتمادا على أبنائها وثقافتها وتاريخها، ينادي أكثر الشباب من هذه البلاد أن بإمكاننا -وبدون الاعتماد على فرنسا- أن نكون من الدول الأكثر تقدما، فالرب الكريم سخر لنا من الثروات البشرية والطبيعية وآليات التطور الشيء الكثير الكثير.
من يتتبع ما يحدث منذ أسابيع في مالي الشقيقة -وآخره: طرد سفير فرنسا من البلاد- سيدرك بأن هذه العلاقة ستتغير لا محالة، وأن فرنسا هي المتضررة بالدرجة الأولى من تغيير هذه السياسة الظالمة ، نظرا لما لشركاتها وأبنائها من حضور مكثف في مالي وغرب إفريقيا عموما.
تعلم فرنسا يقينا أن الأيام دارتْ عليها، وأن الخاسر من هذه الحرب هي نفسها، علما بأن الوعي تعمَّق في نفوس كثير من شباب إفريقيا، وبات من الواضح أنه لا يبقى لها من أنصار إلا قليلا ممن يُوشك أن يسقط نظامهم.
في زمن العولمة وطغيان التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وانفلات الرقابة على الأشخاص يصبح الاستعمار الجديد في طريقه إلى الزوال .
والأعجب في الأمر أن سياسة التوعية والنداء إلى التحرر لم تعد تقتصر على الساسة التقليديين فحسب، لكن اندمج فيها الأئمة ورجال الدين ممن كانت كلمتهم محصورة فوق المنابر، وكذلك النقابات والمجتمع المدني، وهم في ذلك يساهمون مساهمة فعالة في كل ما من شأنه أن يُفضي إلى مراجعة هذه العلاقة، حتى يقرر الأفارقة مصيرهم دون تدخل أجنبي.
هذا، قد تكون لدى الأغلب من الناس تخوفات وتحفظات على هذه المحاولات من بعض الدول خصوصا مالي، وذلك في الحقيقة أمر طبيعي ، لكن بصيصَ الأمل والتفاؤل ما زالا راسخيْن في الأذهان: وأنه يوما ما ، ونرجو أن يكون قريبا ستضع فرنسا حدا لاستغلالها إفريقيا، وأنها ستنكف عن نهب ثرواتها، وستُنهي لعبتها عبر تغيير سياستها التي أساسها: الخداع والمكر واللفُّ والدوران .