اسرائيل تستهدف ميناء اللاذقية.. والدب الروسي في سبات عميق.
صفاء عيد
على مرأى نظره جرى القصف الإسرائيلي في منطقة حيوية تبعد ما يقارب 15 كم عن قاعدته في حميميم في مدينة جبلة، وهي أكبر القواعد الروسية في سوريا، ومجهَّزة بأحدث منظومات الدفاع الجوي.
بدا الدب الروسي في سبات عميق ولم يحرك ساكنا في تلك الليلة العصيبة التي أثبتت وأكدت المؤكد فروسيا تنظر إلى سورية من زاوية المصالح والمصالح فقط.
حالة رعب سادت المدينة الساحلية جرّاء عنف الانفجارات وتحطُّم زجاج عشرات المنازل، على بُعد مئات الأمتار من المرفأ الذي لا يبعد أكثر من 150 متراً عن الأحياء الآهلة بالسكان.
الانفجارات التي استمرت نحوَ ربع ساعة متواصلة، أتت على عشرات السيارات في المنطقة، وأحرقت الحاويات، التي تقول البيانات الرسمية إنها “زيوت وقطع غيار للسيارات والآليات وأغذية”.
ليلة مرعبة عاشتها المدينة، وشُوهِدت ألسنة نيران الحرائق من على بُعد كيلومترات وسط ظلمة دامسة جراء غياب الكهرباء.
للمرة الثانية يستهدف الاحتلال الإسرائيلي مرفأ اللاذقية وهو أمر مقلق رسميا وشعبيا باعتبار أن المرفأ هو المتنفَّس الأساسي لسوريا مع العالم، في ظل الحصار الخانق، وخروج معظم المعابر الحدودية عن سيطرة الدولة السورية.
مدينة اللاذقية التي ظلّت آمنة طوال سنوات الحرب، باستثناء قذائف صاروخية وصلت إلى أطرافها من الجبال الشمالية الشرقية، الواقعة على الحدود التركية والتي استعادها الجيش السوري بالتدريج، بدءاً من عام 2015.
حالة غضب شعبي صبّت جام انتقادها على الحليف الروسي “الذي لم يُحرّك ساكناً”، وجرى القصف في منطقة حيوية لا تبعد أكثر من 15 كم عن قاعدة حميميم الروسية المجهَّزة بأحدث منظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكّر في العالم.
انتقادات صريحة للروس بسبب علمهم بالاستهداف والقصف، على الأقل، كما تناقل آلاف المغردين والناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي، مستندين إلى قدرات الروس الدفاعية، وأنه لا يُعقَل أن يجري هذا القصف وروسيا حاضرة بثقلها في قاعدة حميميم. كما استندوا إلى التواصل الإسرائيلي الروسي، وكان آخره محادثات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 22 من أكتوبر / تشرين الأول الماضي في موسكو، وبحثا بصورة خاصة الملف السوري في ذلك اللقاء.
غاب التعليق الرسمي خلال الساعات الأولى، بينما ظهرت أصوات عالية تنتقد دور ما يوصف بالحليف الروسي قائلة “إننا مقتنعون، مطلق القناعة، بأنه لن يحرك ساكناً، وقد لا يضطر حتى إلى أدنى إدانة كلامية، على الرغم من علمه المسبق بمثل هذا العدوان”.
ووفق الأرقام، يعتبر قصف ميناء الحاويات في اللاذقية الـ 29 في قائمة القصف الإسرائيلي للأراضي السورية خلال العام 2021 حيث طالت الغارات الجوية والقصف الصاروخي مناطق شاسعة، من البوكمال عند الحدود مع العراق، إلى شرقي تدمر وجنوبي حلب واللاذقية وغربي حمص ومحيط دمشق الجنوبي والغربي والقنيطرة.
مساحات واسعة تتذرّع “إسرائيل” بأنها استهدفت خلالها أسلحة إيرانية متطورة، أو مواقع لحلفاء دمشق، أو شخصيات مقاومة، كما جرى عند اغتيال الأسير السابق مدحت صالح في عين التينة على مشارف الجولان المحتل بالأسلحة الرشاشة، في أكتوبر الماضي.
طفح كيل السوريين وبات الاستهداف الأخير كالقشة التي قصمت ظهر البعير مقتنعين بأن وقف هذه الاستهدافات لن يتحقق من دون الرد المباشر، وليس إسقاط الصواريخ فقط؛ بمعنى أن تدفع ” إسرائيل” ثمن كل هجوم تنفّذه ضمن معادلة ردع متوازن.
وعمليا، لا تبدو تلك المعادلة صعبة، بل جرّبتها الفصائل الفلسطينية في غزة ونجحت، على الرغم من فاتورتها الباهظة في لجم العدوان الإسرائيلي. لكنها، في سياق الواقع، ترتبط أيضاً بمواقف قوى حليفة لدمشق لها دورها في قرار الحرب، مثل روسيا.
لكن نوم الدب الروسي يبدو عميقا جداً ولا يريد أن يستيقظ أو ربما يختار الاستيقاظ دون أن يؤرق الاحتلال الإسرائيلي تاركا صواريخه تسرح وتمرح على كامل الجغرافية السورية.
السوريون موالاة ومعارضة يتسألون اليوم ما الجدوى من التواجد الروسي على الأراضي السورية طالما أنها عاجزة عن رد أي عدوان مهما كان حجمه عن بلادهم التي تعيش ظلام دامس في ظل انقطاع التيار الكهربائي وشح الوقود، حتى بات امتلاك أنبوبة غاز حلم صعب المنال في بلد يطفو على بحر من الغاز والنفط تسرقه الدول التي تدّعي الحرص على مصلحة الشعب السوري، ومع بخل الحليف الروسي الذي يمد أنابيب غازه عبر القارات ويعجز عن إيصاله إلى سورية التي تسرح قواعده على أراضيها.
السوريون باتوا يعتقدون أن استمرار الحرب في سورية تخدم مصالح الدب الروسي وتعطيه مسوغات لبقائه، ولو أنه أراد انتهاء الحرب لحسمها في بضعة أيام سواء لصالح هذا أو ذاك.