إشادة إفريقية بالمغرب وثقافاته فيالندوة الدولية الأولى لمختبر السرديات بالدار البيضاءحول “قضايا في الأدب الإفريقي”بمشاركة نيجيريا – السنغال -تشاد – غامبيا – المغرب
متابعة: محمد علمي (وحدة دكتوراه تحليل الخطاب السردي/مختبر السرديات الدار البيضاء)
متابعة عربية وافريقية واسعة ووازنة للندوة الدولية الأولى التي نظمها مختبر السرديات والخطابات الثقافية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حول “الأدب الإفريقي جنوب الصحراء، المكتوب بالعربية: قضايا في الأدب الإفريقي”، وذلك مساء يوم الأحد 14 نونبر 2021، عبر تقنية التناظر المرئي غوغل ميت (Google meet) بمشاركة خمس دول إفريقية، نيجيريا وتشاد والسنيغال وغامبيا والمغرب .
في مقدمة الندوة التي نسق أشغالها سالم الفائدة، قدم كلمة ترحيبية بالسادة الأساتذة المشاركين، معرجا على سيرورة التطور التي عرفها الأدب الإفريقي والعربي معا، مبينا كيف واصل الأدب العربي في إفريقيا مساره وتوهجه بتعدد تجاربه وغناها، وتنوع مرجعياته الثقافية والدينية والجغرافية، فالسبق الشعري لهذا الأدب، لم يمنع الأجيال اللاحقة من تطوير الممارسة الأدبية عبر كثير من الأجناس الأدبية خاصة السردية منها.
تلت هذه التوطئة كلمة قدمها إبراهيم أزوغ عن مختبر السرديات والخطابات الثقافية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك، أكد فيها بعد الترحيب باسم الجامعة والكلية والمختبر بالأساتذة الباحثين المشاركين من الدول الإفريقية، وبالمتابعين للقاء من بلدان العالم المختلفة، على أن هذه الندوة تعد نواة لسلسلة من الندوات المرتقبة، وتؤسس لشراكة جديدة تكمل سابقاتها من الشراكات العلمية والثقافية للمختبر وتطورها، في سياق تمتين وتثمين علاقات التواصل والتفاعل والتبادل للخبرات والمعارف وأشكال التأطير والبحث بين البلدان الإفريقية.
بعد كلمة الافتتاح قدم السادة الأساتذة المشاركون، مداخلاتهم على الشكل الآتي:
المداخلة الأولى للدكتور كبير أبو بكر أمين: قسم اللغة العربية جامعة أحمد بلو زاريا (نيجيريا) : بعنوان “من مظاهر تطور النثر العربي في نيجيريا الرواية نموذجا “.
قدم المتدخل في ورقته معطيات حول تاريخ ظهور اللغة العربية في نيجيريا الذي يعود إلى دخول الإسلام؛ الذي جاء عن طريق التجار القادمين من شمال أفريقيا. وقد بقيت اللغة العربية في نيجيريا دهرا من الزمن كلغة مقدسة ومحترمة وذات شعبية بين مسلمي نيجيريا. ومع هذه الشعبية التي تتمع بها اللعة العربية في نيجيريا إلا أنها لم تتمكن من أن تصبح لغة مستخمة في الحياة العامة، بل تظل لغة أكاديمية يتدارسها المتخصصون ويتعاملون معها كمادة علمية مستحقة للاهتمام والدراسة. ولكذلك عكفوا على دراسة علومها وآدابها كما أتقن كثير من المتعربين النيجيريين اللغة العربية وطفقوا يستخدموها في إنتاجاتهم الأدبية والعلمية. و ومن الملاحظ أن الشعر العربي قد حظي بنصيب الأسد من هذا الاهتمام بينما تأخر انتشار النثر باعتباره جنسا من الأجناس الأدبية نسبيا. هذا المقال محاولة لوصف معالم تطور النثر النيجيري المكتوب باللغة العربية مع النظر إلى فن كتابة الرواية بالعربية في نيجيريا باعتبارها مظهرا من مظاهر تطور النثر العربي في نيجيريا، وسوف يتم الحديث عن النثر العربي في نيجيريا وعوامل تطوره وفنونه ثم الحديث عن الرواية النيجيرية وأنواعها ونماذج منها.
المداخلة الثانية:
للدكتور حسب الله مهدي، رئيس الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية ونائب رئيس جامعة الملك فيصل (تشاد) بعنوان:” الأدب التشادي المكتوب بالعربية بين الانتماءين الإفريقي والعربي”.
أشار المتدخل إلى أن تاريخ دخول العربية إلى جمهورية تشاد له مرحلتان: الأولى، تعود لما قبل الإسلام، وهي غير محددة بدقة، تشير إلى أن العربية دخلت مع قدوم بعض القبائل اليمنية إلى البلاد. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة دخول الإسلام، حيث كانت العربية مرافقة لفتح عقبة بن نافع لأرض تشاد عام 46 للهجرة.
وقد بيّنت المداخلة أن من أقدم أدباء العربية بتشاد، الشاعر أبو إسحاق، والذي يعود انتماؤه إلى تشاد، وكان قد هاجر إلى المغرب في العهد الموحدي. ولعل سفره هذا، يجسد، بشكل واضح، للصلات المترابطة بين الأدبين العربي والتشادي الإفريقي. كما أن من بين أقدم تمثيلات الأدب الإفريقي المنثور، المكتوب بالعربية، التي ذكرتها المداخلة، الرسائل السلطانية التي أسست لعلاقات متعددة بين الدول، والتي صيغت بلغة عربية وفق قالب أدبي متميز. وبعد ذلك، تطور هذا النوع من الأدب في شكل مراسلات أدبية عملت على حل الخلافات السياسية وتشخيص الوضعية السياسية التي تعيشها القارة الإفريقية إبان الاستعمار.
المداخلة الثالثة:
للأستاذ سليمان دانجو، عن نادي غامبيا الأدبي، بعنوان: “تاريخ الأدب الغامبي الحديث، المكتوب بالعربية”.
وأشارت هذه المداخلة، إلى أن بوادر الأدب الغامبي المكتوب بالعربية كانت خلال مستهل ق 20 م، حيث بدأ هذا الأدب يتشكل ويتطور، شيئا فشيئا، بالرغم من اتسامه بالتقليد، ثم في منتصف القرن نفسه، بدأ الأدب الغامبي يتسم بالحداثة، وفي العقدين الأول والثاني من القرن 21م، استوى على سوقه وتطورت بنياته.
إن الأدب الغامبي المكتوب بالعربية لم يحظ بدراسة كافية يمكن من خلالها فهم موضوعاته وخصائصه وقضاياه، ومشكلاته، كل ما هنالك مجرد دراسات مقتضبة في بعض أجزائه، الأمر الذي جعل من الصعب على الباحث الحصول على مصادر علمية تشفي غليله عند الكتابة عنه، سيما الجزء التاريخي منه، غير أن هذا الشح في المصادر والمراجع لا ينبغي أن يكون عائقا يمنع الباحثين من الإقدام على دراسته، ومن هنا تظهر أهمية دراستنا هذه، التي عالجنا من خلالها موضوع الأدب الغامبي الحديث المكتوب بالعربية معالجة تاريخية، تساعد القراء والباحثين على فهم كنهه، والمراحل التي مر بها، مسلطاً الضوء على أهم رواده من الشعراء والأدباء من الرعيل الأول حتى الجيل المعاصر، وأهم الموضوعات التي تناولوها، والقضايا التي شغلتهم، وكيف أصبح هذا الأدب في عصرنا المعاصر؟.
وخلصت الدراسة في النهاية إلى نتائج مفادها أن أول ظهور مسجل للأدب الغامبي بشقيه النثري والشعري كان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي وهو الزمن الذي شهدت فيه غامبيا نهاياتِ الحركات الجهادية، وبداية ظهور الحركات العلمية والأدبية، علما أنه لم يصل إلينا شيء من آثار ما قبل هذه الحقبة.
وفي أوائل القرن العشرين بدأ الأدب الغامبي المكتوب بالعربية ينمو شيئاً فشيئا، وإن كان يغلب عليه طابع التقليد. ولكن مع منتصف القرن العشرين بدأ الأدب ينحو منحا جديداً يعرف بالأدب الحديث، فظهر شعراء وأدباء كبار لعبوا دورا مهما في تطوير الأدب الغامبي المكتوب بالعربية، واستمروا يثرون المكتبة الأدبية بإبداعاتهم حتى ظهر الجيل الجديد في العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، فوصل بهم الأدب الغامبي المكتوب بالعربية إلى مرحلة النضج.
المداخلة الرابعة:
للأستاذ والإعلامي فاضل جي، رئيس نادي السينيغال الأدبي بعنوان :”الأدب السنغالي المكتوب بالعربية قضايا وتحديات”.
أشار الأستاذ فاضل جي في مستهل مداخلته إلى”أن السنغال تأثر كغيره من دول غرب إفريقيا جنوب الصحراء بالأدب العربي منذ قرون طويلة ، ويظهر ذلك جليا في ما خلفه أجدادنا من كتب الأدب ودواوين الشعر السنغالي النكتوب باللغة العربية ، وكما لا يخفى عليكم دخلت العربية إلى السنغال بدخول الإسلام فيه عن طريق التجار العرب ، لكن سرعان ما تفاعل السنغاليون مع مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه ، وأقبلوا على تعلم القرآن الكريم وتعليمه ، وتعلم علوم اللغة العربية والفقه الإسلامي ، فحفظوا المتون ، ودرسوا كتب الأدب العربي المعروفة مثل الشعراء الست ، ومقامات الحريري ، وابن دريد ، والدالية ، إلى جانب العروض وغيرها .
ونلاحظ أن الشعر السنغالي المكتوب بالعربية كان شديد التأثر بالطريقة التي كتب بها العرب في جاهليتهم ، وفي إسلامهم أشعارهم رغم اختلاف الأزمنة والبيئات .
ونرى أجدادنا في قصائدهم يفتتحونها بالغزل قبل وصولهم إلى الأغراض الشعرية التي يقصدونها كما كان نهج شعراء العرب القدامى .
لكن في السنوات الأخيرة اكتشفت الساحة الأدبية السنغالية مواهب شعرية شابة وتتلخص في شباب يثرون ساحة المنتديات الأدبية بقصائدهم الجميلة على اختلاف الأغراض الشعرية والمواضيع التي يعالجونها ، والملاحظ أن جل شعرائنا الشباب بدأوا يتعاطون مع الشأن الأدبي بمختلف التيارات الأدبية بطريقة معاصرة بعيدة عن نهج الأجداد من الشعراء ، وهذا بدون أدنى شك جاء نتيجة لقراءاتهم المنوعة وتأثرهم بالصور الشعرية الحديثة ، ولا سيما الذين يدرسون منهم في الجامعات العربية ويحتكون بالأوساط الشعرية والأدبية هناك”.
وقد خلص الأستاذ فاضل جي في ختام مداخلته إلى أن الأدب السينيغالي المكتوب بالعربية، يتميّز بغلبة الشعر على النثر ، وهيمنة الطابع الديني على الإنتاج الأدبي ، على أن الجيل الجديد من الشعراء السنغاليين يظهر في انتاجه تمثيل القضايا الوطنية والاجتماعية ، والتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية، وفي التحديات ذكر السيد فاضل أن التحدي الأكبر هو غيب النقد الذي يثري الانتاج الأدبي غالبا وذلك للقداسة التي تكتنف ما خلفه الأجداد من المشايخ من شعر ونثر .”
في ختام الندوة تناول الدكتور علي عبد الوهاب مطاوع أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد جامعة الأزهر ، كلمة تعقيبية بيّن من خلالها أهمية الندوة في تمتين الروابط الحضارية بين شمال إفريقيا والعرب وجنوب القارة وغربها، ومنوها بدور جهود الأزهر الشريف والمغاربة في تطوير اللغة العربية بإفريقيا.
ليختتم اللقاء سالم الفائدة بالتأكيد على ضرورة مواصلة هذا الجهد الإفريقي للارتقاء باللغة العربية والأدب الإفريقي ، كما أكد أن أشغال هذه الندوة ستنشر في كتاب جماعي حول الأدب الإفريقي يصدر عن مختبرات السرديات بالدار البيضاء، وأن جامعة الحسن الثاني ستعقد ندوات دورية أخرى حول الأدب الإفريقي وقضاياه بمشاركة دول إفريقية وعربية.