أثر الدعوة إلى الله تعالى في حفظ الضرورات الخمس
الدكتور انجوغو امباكي صمب
تعتبر الدعوة إلى الله تعالى من أجل وسائل حفظ الضروريات الخمس، من حيث بيان أهميتها ومنزلتها في الدين والحياة، والحث على المحافظة عليها، والتحذير من إضاعتها وإهمالها، قال الشاطبي رحمه الله ((فقد اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل- وعلمها عند الأمة كالضروري …)) [1] .
وما كان اتفاق الملل على هذه الضروريات الخمس إلا بإجماع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ومن تبعهم من الدعاة والمصلحين على الدعوة إلى حفظها ورعايتها، وليس من الفقه في الدين ولا من البصيرة في الدعوة والإصلاح أن نقول بأن الضروريات الخمس لا يمكن حفظها ورعايتها، إلا بالتشريعات والقوانين الصارمة، وبواسطة إقامة الحدود أو ترتيب الكفارات على بعض الجرائم والمخالفات، فقد يحفظ بالدعوة والبيان ما تعسر أو تعذر حفظه بالدولة والسنان.
- حفظ الدين بالدعوة والإرشاد
فيحفظ الدين دعويا بالتعريف بالإيمان بالله والحث على إفراده بالعبادة والطاعة ، قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[2]، والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وطاعته، وهذا أصل الدين الإسلامي وقاعدته الكبرى، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ…}[3]، وفي الآيتين أمر بإقام أعظم شرائع الدين وهي الصلاة والزكاة والجهاد في سبيل الله والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق .
ويحفظ الدين أيضا دعويا بتحديد مصادر تلقيه وبيان كفايتها للهداية والإرشاد، وسد باب الابتداع واتباع الأهواء، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[4] ، وفي الآية إرشاد إلى المصادر الأساسية لمعرفة عقائد الإسلام وأحكام الدين ، وهي القرآن والسنة والإجماع، وقال صلى الله عليه وسلم ((إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض )) [5]، فالتمسك بالسنة النبوية المطهرة والابتعاد عن الإحداث في الدين هو العاصم من التفرق والضلال عند حصول الاختلاف وحلول الفتن . - حفظ النفس بالدعوة والإرشاد
وأما النفس فتحفظ دعويا ببيان حرمتها والتأكيد على كرامتها ونفاستها، والنهي عن إزهاقها بغير حق قال تعالى { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[6]، قال ابن كثير رحمه الله ((أي : ومن قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، { وَمَنْ أَحْيَاهَا } أي: حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار)) [7] ، وقال صلى الله عليه وسلم ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ))[8]، قال الصنعاني رحمه الله (( الحديث سيق لبيان عظم حرمة المسلم وأن قتله بغير حق أعظم من ذهاب الدنيا برمتها … )) [9]. - حفظ النسل بالدعوة والإرشاد
وأما النسل فيحفظ دعويا بالترغيب في التكاثر والتناسل ، وإشاعة منافع الزواج ومصالحه الدينية والدنيوية ، قال تعالى مبينا حكمته البالغة في تشريع الزواج { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[10]، وقد ذكر الطاهر بن عاشور رحمه الله من لطائف هذه الآية الكريمة: جعل ناموس التناسل بالزواج للإنسان ، وجعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف، و جعل الأنس والمودة والمحبة والرحمة بين الزوجين [11]، وقال تعالى مبينا بعض منافع الزواج ومصالحه {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[12]، قال السعدي رحمه الله تعالى: ((يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها))[13].
كما يحفظ النسل دعويا بالحث على العفاف والطهر، وبالنهي عن هتك الحرمات وتجاوز الخصوصيات وسد الذرائع المفضية إلى الفواحش، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم أصالة ، ولجميع الآباء والأولياء، أن يحثوا من تحتهم على التستر وعدم التبرج { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[14]، وقال تعالى آمرا المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج عن الحرام {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ …}[15]،وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الاختلاء بالنساء الأجنبيات ، سدا للذرائع إلى الفواحش والمنكرات ((لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم)) [16]. - حفظ المال بالدعوة والإرشاد
وأما المال فيحفظ دعويا بالأمر بالكسب الحلال والنهي عن الكسب الحرام ، والحث على العمل والاستثمار والنهي عن الكسل والبطالة و الإفساد ، قال تعالى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [17] ، وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[18] ، وقال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[19]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحث على العمل والسعي للكسب الحلال ((ما أكل أحد منكم طعاما أحب إلى الله عز وجل من عمل يديه)) [20].
ويحفظ المال أيضا بتنظيم وجوه الصرف وبيان طرق التملك المشروعة، قال تعالى مبينا بعض مصارف الأموال الفردية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [21]، وقال تعالى عن قسم الفيء{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ}[22]. - حفظ العقل بالدعوة والإرشاد
وأما العقل فيحفظ دعويا ببيان فضله ومكانته، قال تعالى في بيان مسؤولية الإنسان عما يصدر من جوارحه { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [23]، وقال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[24]، وقال صلى الله عليه وسلم ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ – أو يعقل)) [25].
ويحفظ العقل أيضا بالأمر بإعماله في العلوم والمعارف النافعة، والنهي عن إفساده وتعطيله ، قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[26] ، وقال تعالى في الإرشاد إلى مجالات التفكير النافع { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[27] ، وقال صلى الله عليه وسلم ((تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله))[28].
هكذا يحفظ كل المصالح الضرورية و كذلك المصالح الحاجية والتحسينية دعويا بما يناسبه من طرق الدعوة التبليغية وأساليبها البيانية المختلفة، وذلك مثل العدل والحرية والأمن والسلام والاستقرار مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الدينية والدنيوية ، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول
تعتبر الدعوة إلى الله تعالى من أجل وسائل حفظ الضروريات الخمس، من حيث بيان أهميتها ومنزلتها في الدين والحياة، والحث على المحافظة عليها، والتحذير من إضاعتها وإهمالها، قال الشاطبي رحمه الله ((فقد اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل- وعلمها عند الأمة كالضروري …)) [1] .
وما كان اتفاق الملل على هذه الضروريات الخمس إلا بإجماع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ومن تبعهم من الدعاة والمصلحين على الدعوة إلى حفظها ورعايتها، وليس من الفقه في الدين ولا من البصيرة في الدعوة والإصلاح أن نقول بأن الضروريات الخمس لا يمكن حفظها ورعايتها، إلا بالتشريعات والقوانين الصارمة، وبواسطة إقامة الحدود أو ترتيب الكفارات على بعض الجرائم والمخالفات، فقد يحفظ بالدعوة والبيان ما تعسر أو تعذر حفظه بالدولة والسنان.
- حفظ الدين بالدعوة والإرشاد
فيحفظ الدين دعويا بالتعريف بالإيمان بالله والحث على إفراده بالعبادة والطاعة ، قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[2]، والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وطاعته، وهذا أصل الدين الإسلامي وقاعدته الكبرى، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ…}[3]، وفي الآيتين أمر بإقام أعظم شرائع الدين وهي الصلاة والزكاة والجهاد في سبيل الله والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق .
ويحفظ الدين أيضا دعويا بتحديد مصادر تلقيه وبيان كفايتها للهداية والإرشاد، وسد باب الابتداع واتباع الأهواء، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[4] ، وفي الآية إرشاد إلى المصادر الأساسية لمعرفة عقائد الإسلام وأحكام الدين ، وهي القرآن والسنة والإجماع، وقال صلى الله عليه وسلم ((إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض )) [5]، فالتمسك بالسنة النبوية المطهرة والابتعاد عن الإحداث في الدين هو العاصم من التفرق والضلال عند حصول الاختلاف وحلول الفتن . - حفظ النفس بالدعوة والإرشاد
وأما النفس فتحفظ دعويا ببيان حرمتها والتأكيد على كرامتها ونفاستها، والنهي عن إزهاقها بغير حق قال تعالى { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[6]، قال ابن كثير رحمه الله ((أي : ومن قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، { وَمَنْ أَحْيَاهَا } أي: حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار)) [7] ، وقال صلى الله عليه وسلم ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ))[8]، قال الصنعاني رحمه الله (( الحديث سيق لبيان عظم حرمة المسلم وأن قتله بغير حق أعظم من ذهاب الدنيا برمتها … )) [9]. - حفظ النسل بالدعوة والإرشاد
وأما النسل فيحفظ دعويا بالترغيب في التكاثر والتناسل ، وإشاعة منافع الزواج ومصالحه الدينية والدنيوية ، قال تعالى مبينا حكمته البالغة في تشريع الزواج { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[10]، وقد ذكر الطاهر بن عاشور رحمه الله من لطائف هذه الآية الكريمة: جعل ناموس التناسل بالزواج للإنسان ، وجعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف، و جعل الأنس والمودة والمحبة والرحمة بين الزوجين [11]، وقال تعالى مبينا بعض منافع الزواج ومصالحه {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[12]، قال السعدي رحمه الله تعالى: ((يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها))[13].
كما يحفظ النسل دعويا بالحث على العفاف والطهر، وبالنهي عن هتك الحرمات وتجاوز الخصوصيات وسد الذرائع المفضية إلى الفواحش، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم أصالة ، ولجميع الآباء والأولياء، أن يحثوا من تحتهم على التستر وعدم التبرج { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[14]، وقال تعالى آمرا المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج عن الحرام {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ …}[15]،وقال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الاختلاء بالنساء الأجنبيات ، سدا للذرائع إلى الفواحش والمنكرات ((لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم)) [16]. - حفظ المال بالدعوة والإرشاد
وأما المال فيحفظ دعويا بالأمر بالكسب الحلال والنهي عن الكسب الحرام ، والحث على العمل والاستثمار والنهي عن الكسل والبطالة و الإفساد ، قال تعالى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [17] ، وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[18] ، وقال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[19]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحث على العمل والسعي للكسب الحلال ((ما أكل أحد منكم طعاما أحب إلى الله عز وجل من عمل يديه)) [20].
ويحفظ المال أيضا بتنظيم وجوه الصرف وبيان طرق التملك المشروعة، قال تعالى مبينا بعض مصارف الأموال الفردية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [21]، وقال تعالى عن قسم الفيء{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ}[22]. - حفظ العقل بالدعوة والإرشاد
وأما العقل فيحفظ دعويا ببيان فضله ومكانته، قال تعالى في بيان مسؤولية الإنسان عما يصدر من جوارحه { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [23]، وقال تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[24]، وقال صلى الله عليه وسلم ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ – أو يعقل)) [25].
ويحفظ العقل أيضا بالأمر بإعماله في العلوم والمعارف النافعة، والنهي عن إفساده وتعطيله ، قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[26] ، وقال تعالى في الإرشاد إلى مجالات التفكير النافع { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[27] ، وقال صلى الله عليه وسلم ((تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله))[28].
هكذا يحفظ كل المصالح الضرورية و كذلك المصالح الحاجية والتحسينية دعويا بما يناسبه من طرق الدعوة التبليغية وأساليبها البيانية المختلفة، وذلك مثل العدل والحرية والأمن والسلام والاستقرار مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الدينية والدنيوية ، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أ و الدول.