Culture

ويبقى الأثر ..

بقلم جبريل عائشة لي

آهٍ من جدار الدنيا.. ذلك الجدار الصامت الذي يحمل على كاهله ألوحتنا جميعًا، كأنه شاهد أبدي على عبورنا القصير في هذا العالم الكبير. نعلّق عليه ما رسمته ريشة أعمارنا، بخطوط تُخبر عن سيرتنا، وألوان تتفاوت بين النور والظلام، بين الأبيض النقي الذي يروي طُهر لحظاتنا، والأسود العميق الذي يحكي انكساراتنا. هي لوحة تموج بأطياف متباينة، تختزل أفراحنا وأحزاننا، أحلامنا وانطفاءاتنا، وتروي حكاية وجودنا على وجه هذه الأرض العتيقة.

هي الذكريات يا صديقي القارئ …

شظايا من مشاعر لم تفنَ، بل اختبأت في طيات الزمن. لحظاتٌ عشناها بصدق أو ألم، بفورة الفرح أو عمق الوجع. نظن أحيانا أنها تمضي إلى النسيان، لكنها تُقيم فينا كجمر خافت، تنتظر دورها لتشتعل من جديد. تعود إلينا حين تكتمل دائرة الأيام، تُنفض غبارها، وتبعث ما حسبنا أنه انتهى. عندها تصبح الذكرى الحامل، ونحن المحمولين على أكتافها، عاجزين عن الفرار من وهجها.

ما نحن إلا ذكرى عالقة على جدار الزمن، لوحة تمتد بقدر أعمارنا، تكتمل خطوطها مع كل خطوة نخطوها في درب الحياة. لكنها ليست أبدية ولا سرمدية. يأتي اليوم الذي تُسدل فيه يد القدر ستار النهاية، حيث تُطلق أرواحنا زفرتها الأخيرة، فتتوقف ريشة الأيام عن الرسم. حينها، تقف اللوحة صامتة لا تضيف شيئا جديدا، لكنها تبقى شاهدة لا تُمحى، تتحدث عنّا بصمت خالد .

فلنحسن الرسم إذًا يا سيدي القارئ …

لنملأ هذه اللوحة بألوانٍ تنبض بالجمال والحب ، بخطوط تعكس نقاء أرواحنا وصفاء قلوبنا. لنجعلها تُحاكي نورا لن ينطفئ، حبا لن يخفت، وخيرا لن يُنسَ. دعونا ننسج فيها ذكريات تستحق أن تُروى، حياة تجعل لوحتنا تحفة خالدة، في مسرح هذا الكون الشاشع ، يستدعيها من عرفونا كأنشودة تفيض دفئا وحياة.

كلنا راحلون يا سيدي القارئ :

جميعنا في رحلة محتومة نحو اللحظة المكتوبة، ذلك اليوم الذي نقف فيه أمام لوحاتنا ، نحدّق في تفاصيلها بعيونٍ عاجزة وبدموع هاطلة، نتمنى حينها لو تتمك من مدَّ يد لتصحيح خطوط شابها الاعوجاج، أو لإضافة ألوان إلى ألوان خجِلنا من استخدامها. لكن يومها، لن يكون لنا إلا أن نستمع لصدى الذكرى، ذلك الصدى الذي يملأ أرواحنا بحنين وحسرة.

فلنصنع من ذكرياتنا ألحانًا خالدة

تملأ الأرض عطرًا، وتنساب كأطيافٍ تُضيء دروب الأزمنة .. ذكريات تُنير قلوبنا هنا، وتُمهد لنا درب النور هناك، حيث الأبدية تنتظر.

السماوي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى