مقَاصد الحَج : قراءة وتذكير ..
شعيب بن حاميد لوح
حجُّ بيت الله الحرام من أعظم شَعائر الإسلام، فهو أحد أركانه. ومِن وراء تشريعه على هذه الأمة مَغزى نبيل وأهداف سامية، ولما أذِن ربنا لعبده ورسوله إبراهيم -عليه السلام- بنداء الناس إلى القيام بهذه الشعيرة عقَّب ذلك: {ليَشْهَدُوا منافعَ لهم ويذكرُوا اسمَ الله في أيامٍ معلوماتٍ على ما رزَقَهم من بهيمة الأنعام…}، وقد جاءت لفظةُ (منافع) منكرة ما يعني أن هذه المنافع أصناف شتَّى وأطياف متنوعة.
هذا، فإن مقاصد الحج منها دينية، واجتماعية، واقتصادية…، ومرجع هذه كلها إلى المقصد الأول وهو الدين وإظهار جمالياته.
فإذا كان الحج لَهجتِ الألسن بذكر الله ودعائه بألسن مختلفة، واجتهد المجتهدون بعبادة ربهم، واستبقوا إلى الخيرات، وتابوا من العَثرات، وقاموا بالقُرُبات، وابتعدوا عما يُوقِع في الهَفوات والزَّلات، وقد علمنا رسولنا المصطفى ﷺ على أن ربنا عزَّ وجل لم يُعبد بأيام أحبَّ إليه في هذه الأيام (العشر الأوائل من ذي الحجة)، فهم لذلك يتقربون إليه زُلفى، فهذا في الحقيقة فعل الكيس العاقل الذي يعرف كيف يغتنم الفُرص ولا يفوتها أبدا.
فهؤلاء إذا كان يومُ عرفة باهى الله بهم ملائكته الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فلا تظن أن هذا التَّباهي مقصور لمن يقف بعرفة في مكة ففضل الله أوسع من ذلك، فإذا لم تقف بعرفة ولكن لم تُجاوز حدود الله كنتَ مثلَ الواقفين بعرفة.
وإذا كان الحج انعكست جماليات هذا الدين في الناس، فلون الأبيض يطغى على كل الألوان، فالأبيض نقاء وطهارة، فكما تُدنس البقعة السوداء الثوب الأبيض فكذلك الذنوب والمعاصي، والأمر أن المسلم مندوب إلى تعهُّد العضو الداخلي فيه (قلبه)، بالإنابة إلى الله، وكثرة الذكر، وتذكر يوم الرحيل.
وإذا كان الحج خصوصا يومُ عرفة… لا عِرق، ولا لون، ولا إقليم، ولا مذهب… وغيرها هي المُعتبرة، فعقيدة كل هذه الجُموع الغفيرة واحدة، وقِبلتها واحدة، ومعبودها واحد، هذا ما يريد الإسلام تجسيده، هذا هو المقصد الأعظم في الحَج…
أي كأن يوم عرفة، ذكرى للمسلمين بضرورة الترافق لا التفارق، دعوة إلى توحيد الصفوف لا خَرقها، انتداب إلى السعي في التعاون فيما اتفقنا عليه، ونبذ الخلاف والشِّقاق…
الحج هدية ثمينة خَوَّلها الله للمسلمين، وعليهم استثمار هذه الهدية وعدم تضييعها، واستثمار هذه الهدية يعني التفكير في عَائدات توحيد الكلمة، ووحدة الهدف، وما يجنيه العكس من تفرُّق وثُبور وهلاك، وفي ظني أن الله لم يدعُ المسلمين تاركين ديارهم النائية، ويقطعون كيلوميرات عديدة، ويتكلفون رَهقا وعَياء، إلى البلاد المقدسة للقيام بشعائر الحج فحسب، لكن ما وراء هذا التجَمُّع وما يعكسه من جلال وجمال، الجلال لأن للإسلام هيبةً يُخشى من أجلها، وجمال لما لتعاليمه من شمولية وتغطية لحاجة البشر عبر العصور والأزمنة، واختلاف البِقَاع والأمكنة.
تذكير دعاء يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.