مقال: لا تدسوا السم في العسل… يا عسكر!!
بقلم: أ. فاضل غي
الانقلاب الأبيض الذي قام به الجيش المالي صفق له أكثر من واحد ، ليس لأن المراقبين لهم مآخذ على أسلوب ممارسة “إبيكا” للحكم في جمهورية مالي ، ولكن أيضا لأن تدخل الجيش للإطاحة بنظام مضطرب غير المشهد السياسي هناك بعد شهور من الحراك بين القوى السياسية وأبناء الشعب الذين توحدوا تحت زعامة الإمام ديكو للمطالبة باستقالة الرئيس أبراهيم كيتا المتهم بالفساد وعدم القدرة على تسيير أمور البلاد،
وكنت في الحقيقة أرى حمل الجيش للرئيس على إعلان الاستقالة مسؤولية وطنية في غاية الأهمية رغم الأصوات التي ارتفعت من هنا وهناك للدعوة إلى إعادة الشرعية وعودة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا إلى الحكم.
لكن الذي يجري الآن في أروقة أركان الجيش يجعلني أشك في نية تسليم الجيش السلطة للمدنيين بعد الفترة الانتقالية المعلنة
كل المراقبين كانوا يحسنون الظن بقائد الانقلاب وأنه بعد فترة إنتقالية وجيزة ستنظم إنتخابات موسعة لاختيار رئيس جديد للبلاد فإذا بالعسكر يدسون السم في العسل ويعلنون فترة إنتقالية مدتها ثلاث سنوات!!
لماذا ثلاث سنوات يا جماعة؟ أليس من الممكن الإسراع في تنظيم إنتخابات رئاسية مبكرة إنقاذا للبلاد والعباد من الازمة السياسية التي طالت؟
أليس مكان الجيش هو المعسكرات؟ وإن دفعتهم ظروف سياسية معينة إلى التدخل فيجب أن يكون هذا التدخل قصير الأمد ، مثل الاشراف على تنظيم الأمور وترتيبها ، ثم تسليم السلطة للمدنيين بانتخاب رئيس شرعي عن طريق صناديق الاقتراع.
لا سيما وأن قارتنا أمام مخاطر محدقة وأعمال عنف نخاف أن تكون سيدة الموقف في حالة فرض بعض قادتها رغبتهم في الترشح لمأموريات ترفضها الدساتير وترفضها الشعوب ، فجل رؤساء القارة يطمعون في مأمورية ثالثة ‘ في شهر أكتوبر القادم سيخوض كل من رئيس كود ديفوار الحسن وترا وفي غينيا كوناكري ألفا كوندي، غمار الانتخابات الرئاسية رغبة منهما في مأمورية أخرى دون الانقياد لإرادة الشعبين، ودعوى الرئيس واترا هشة في الحقيقة ، حيث قال في حوار صحفي هذه الأيام: مادام عجوز المعارضة في كود ديفوار مرشحا وهو بكبرني بثمان سنوات فلماذا لا أترشح لمامورية ثالثة وأنا صاحب الإصلاحات والانجازات الشاهدة..
والرئيس كوندي قوبل فور إعلان الرغبة فى الترشح لولاية جديدة بتظاهرة ضخمة ذهب ضحيتها مواطنون أحرار، ومع ذلك يصر الرئيسان على الترشح مهما كلف الأمر ، ورئيس السنغال كذلك يلوح بالترشح لمأمرية أخرى وإن كانت الصورة بالنسبة له ضبابية حتى اللحظة.
إن عقلية الإنسان الإفريقي يا أصحاب الفخامة الرؤساء تغيرت والشعوب الإفريقية تعيش يقظة سياسية غير مسبوقة فلن تقبل بعد الآن الرضوخ لتشبث الحكام بكرسي السلطة ، والتعويل على الحصانة لم تعد تنفع، فكم من رئيس دكتاتوري حكم بلده فأفسد وطغى يقف امام العدالة يوما ما، لا تشفع له الحصانة بعد فقده للسلطة، فالقرار في النهاية قرار الشعوب والديمقراطية الصادقة تفرض على الجميع الوقوف عند الحد المسموح به.