في ذكرى الإسراء والمعراج : (للأقصى رب يحميه)
كتب: د / عبد اللطيف حسن طلحه
لم تكن الإسراء والمعراج رحلة ترفيهية ، إنما كانت رحلة أهداف سامية ستظل ما بقيت السماوات والأرض ،فعندما يجمع الله تعالى الأنبياء جميعا ليصلى بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى ، وعندما يربط الله تعالى في هذه الليلة المباركة بين المسجدين الحرام والأقصى ثم إلى سدرة المنتهى ، يبدو لي بفهمي المتواضع أن الربط هذا مقصود لتمجيد وإجلال المسجد الأقصى وأن حرمة المسجدين : المسجد الحرام والمسجد الأقصى واحدة ، فماذا يعني المسجد الأقصى للمسلمين ؟ وما الإنتهاكات التي تعرض لها من الصهاينة ؟؟ .
المسجد الأقصى ليس مسجداً تؤدى فيه العبادات فحسب ، إنما هو بمثابة القلب والعقل للمسلمين ، فهو كان القبلة الرسمية للمسلمين ، من الأقصى أسرى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهي ، من هناك سُلمت الراية إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ، من الأقصى تبدأ عزة المسلمين وشرفهم .
يمر الزمان وتتغير الظروف والأحوال لكن تبقى قضية القدس هي الأهم في نفوس العرب بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، منذ عام 1948 حينما حدثت النكبة وإلى الآن تظل القدس والأقصى هما الجرح الذي لا يلتأم في قلوب المسلمين، قد يهدأ قليلًا لكنه يؤلم كثيرًا، يُعَدُّ المسجد الأقصى ثاني بيت وُضِع؛ لعبادة الله -تعالى- على وجه الأرض، وذلك بعد 40 سنة من إرساء قواعد المسجد الحرام، ومن المُرجَّح أنّ أوّل من بنى المسجد الأقصى هو سيِّدنا آدم -عليه السلام- بأمر من الله -تعالى-، حيث بُنِي في أرض لم يسبقه فيها معبد، أو هيكل، أو كنيسة، ثمّ خَضَع المسجد بعد ذلك للإعمار على يد سيِّدنا إبراهيم -عليه السلام- وذلك في نحو عام 2000ق.م، ثمّ جدَّد سيِّدنا سليمان -عليه السلام- بناءه في عام 1000ق.م ودعني عزيزي القارئ أُلقي نظرة على جزء من الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى :
أولا : عقب احتلال القدس ومن ضمنها المسجد الأقصى عاد 1967، استولت سلطات الاحتلال على مفاتيح باب المغاربة، وهو أحد الأبواب العشرة المفتوحة في المسجد الأقصى، ويقع في أقصى زاويته الغربية الجنوبية.
ثانيا : في 21 أغسطس/آب من العام 1969، قام الأسترالي الصهيوني دينس روهن بإشعال النيران في الجامع القبلي أحد مصليات المسجد الأقصى ،و أتى الحريق حينها على منبر صلاح الدين الأيوبي، ومحراب زكريا ومسجد عمر، وتضررت 3 من أروقة الجامع وسقف الجهة الشرقية له.
ثالثا : شهد المسجد الأقصى خلال الثمانينات محاولات عديدة من مجموعات إستيطانية لتنفيذ مجازر فيه أو تفجير قبة الصخرة ، ففي 1982 حاولت إحدى المجموعات السرية اليهودية تفجير مصلى قبة الصخرة، ولكن هذه الخطة أفشلت عندما تم اكتشاف المتفجرات قبل انفجارها ،وفي نفس العام نجح أحد المتطرفين اليهود في إقتحام مصلى قبة الصخرة، وأطلق النار على الموجودين، فقتل فلسطينيين اثنين ،وايضاً في 1984 أعلن عن كشف خلية سرية في سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي، كانت تخطط لقصف المسجد الأقصى من الجو.
رابعاً : وشهدت سنوات التسعينات تصعيداً آخر ضدّ الوجود العربي والإسلامي في الأقصى، فقد احتشد الفلسطينيون في أكتوبر 1990 في المسجد لصدّ المستوطنين الذين أعلنوا عن نيتهم وضع حجز الأساس لبناء الهيكل الثالث داخل المسجد ،وفتحت الشرطة نيرانها على الفلسطينيين بكثافة، فقتل حينها 21 فلسطينياً. فيما بعد عرفت هذه الجريمة بمذبحة الأقصى الأولى.
خامساً : أما مذبحة الأقصى الثانية، فقد اندلعت في 25 سبتمبر 1996 عندما أعلن عن فتح نفق في محيط المسجد الأقصى، وقد اندلعت على إثر ذلك هبة النفق، قتل فيها 63 فلسطينياً.
سادساً : أما في 2000، فقد اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية من قلب المسجد الأقصى، عندما اقتحم اريئيل شارون الذي كان في حينها رئيس المعارضة في الكنيست ممثلاً حزب الليكود.
سابعاً : الحفريات: حسب تقرير مؤسسة القدس الدولية 2016م فقد وصل عدد الحفريات في محيط المسجد الأقصى 63 حفرية متوزعة على الجهات الأربعة في محيط الأقصى ،ومن أخطر تلك الحفريات النفق الذي افتتح في 2016م بحضور ميري ريجيف وزيرة الثقافة الإسرائيلية ونير بركات رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس، والذي يمتد من عين سلوان جنوباً ويصل إلى الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى.
الله تعالى يعرف أن اليهود ليست لديهم مؤهلات القيادة الجديدة للبشرية لانهم ملؤا الدنيا فساداً ونشروا فيها الرزيلة، فاقتضت حكمته البالغة نزع القيادة منهم وطردهم ، وتعددت من بعد ذلك إنتهاكاتهم في ربوع الأرض ،تاريخ الانتهاكات الصهيونية للأقصى لا تسعها مجلدات أو ندوات ففي كل عام تتعدد الانتهاكات تحت سمع وبصر حكام العرب والمسلمين ، ولم يعد يُسمع لنا صوت في الحفاظ على مقدساتنا ،وزاد الطين بلة نقل أمريكا سفارتها إلى مدينة القدس وكأنها تخرج لسانها للمسلمين جميعاً ، يقيني أن الأقصى له رب يحميه وكأننا نرجع إلى زمن سيدنا عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه أبرهة بذلك الجيش الجرار لهدم الكعبة التي تمثل في نفوس الموحدين قيمة عظيمة فقال سيدنا عبد المطلب قولته الخالدة (أن للبيت ربٌا يحميه) ، قالها لأنه لا يمتلك جيشا ولا ترسانة من الأسلحة ، ونحن نقولها بعد أن عجزت الدول العربية والإسلامية بخيلها وخيلائها حتى عن حماية المسجد الأقصى وعليهم أن يعلنوها صراحة أن للبيت ربٌا يحميه