
غينيا بيساو وغرب إفريقيا: نداء من أجل دبلوماسية مستدامة للسلام
“الدكتور بكاري سامب
تجد غينيا بيساو نفسها مرة أخرى في قلب عاصفة سياسية وأمنية، تعكس مدى هشاشة الاستقرار في غرب إفريقيا. فالتاريخ الحديث للبلاد هو سجل من الانقلابات والمحاولات الفاشلة، مما يجعلها رمزاً لتحديات التحول الديمقراطي في المنطقة. إن حالة عدم اليقين المستمرة والتدخلات العسكرية المتكررة، كما حدث مؤخراً بمحاولات الانقلاب الأخيرة واعتقال الرئيس، لا تهدد فقط مستقبل هذه الدولة الصغيرة، بل تلقي بظلالها الثقيلة على الأمن الإقليمي بأكمله.
لا يمكن النظر إلى أزمة غينيا بيساو بمعزل عن سياقها الإقليمي، فمنطقة غرب إفريقيا تشهد موجة مقلقة من الانقلابات العسكرية، من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا كوناكري، مما يهدد بتقويض المكاسب الديمقراطية الهشة التي تحققت بشق الأنفس. تتضافر عدة عوامل لتفاقم هذا الوضع. في مقدمتها، نجد ضعف المؤسسات الديمقراطية المتمثل في غياب الفصل الحقيقي بين السلطات، وتسييس القضاء، وضعف استقلالية اللجان الانتخابية، وهي جميعها عوامل تآكل ثقة المواطنين في العملية السياسية. يضاف إلى ذلك، استمرار ظاهرة “عسكرة السياسة” وتدخل الجيش، وهو ما يمنع ترسيخ حكم مدني مستدام. وعلى الصعيد الأمني، تُعد غينيا بيساو نقطة عبور رئيسية لتهريب المخدرات (خاصة الكوكايين) بين أمريكا الجنوبية وأوروبا، ويغذي هذا النشاط الإجرامي الفساد ويزعزع استقرار الدولة، مما يربط بشكل مباشر بين أمنها وأمن المنطقة الأوسع. ولا ننسى أن حالة عدم الاستقرار في دول الساحل المجاورة قد أدت إلى صعود الجماعات الإرهابية، مما يزيد من الضغوط الأمنية على جميع دول الجوار. إن أي انهيار في غينيا بيساو سيعزز من عدم الاستقرار في المنطقة، مما يفتح المجال أمام المزيد من الأنشطة الإجرامية وعصابات المخدرات التي تستغل الهشاشة الأمنية.
لم يعد كافياً الاكتفاء بالإدانة وفرض العقوبات بعد وقوع الأزمات. إن ما تحتاجه المنطقة هو استراتيجية دبلوماسية مستدامة ووقائية، تقودها في المقام الأول الهيئات الإقليمية. يجب على المجموعات الاقتصادية والسياسية للمنطقة أن تستعيد نفوذها وتأثيرها، وأن تكون وساطاتها أكثر فاعلية وإلزامية، مع التركيز على منع الأزمات بدلاً من إدارتها. وفي الوقت ذاته، يجب أن يكون الدعم الدولي والإقليمي مشروطاً بالتزام حقيقي من قادة غينيا بيساو بإصلاحات عميقة تشمل تعزيز استقلالية القضاء، وإبعاد الجيش عن السياسة، وضمان نزاهة الانتخابات. علاوة على ذلك، من الضروري أن تتجاوز الجهود الدبلوماسية الملفات السياسية لتشمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فالهاشاشة الاقتصادية والفقر يمثلان وقوداً للاضطرابات. لذا، ينبغي تكثيف الدعم لبرامج مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات، والتي تُمول بشكل مباشر آليات عدم الاستقرار. وأخيراً، لا يمكن تحقيق سلام دائم دون حوار داخلي حقيقي يشرك جميع الأطراف السياسية والمدنية في البلاد، برعاية إقليمية ودولية محايدة.
إن استقرار غينيا بيساو هو حجر زاوية في أمن غرب إفريقيا. أمام تزايد حدة الأزمات وتصاعد الانقلابات، يجب على المجتمع الدولي والقادة الإقليميين أن يوحدوا جهودهم لدعم حلول طويلة الأجل تضمن الاستقرار الدستوري والازدهار لشعوب المنطقة. حان الوقت لتفعيل دبلوماسية وقائية قوية، قبل أن تبتلع عدوى الانقلابات ما تبقى من مكاسب ديمقراطية في القارة.
الرئيس المؤسس لمعهد تنبكتو لدراسات السلام




Your blog is a breath of fresh air in the often stagnant world of online content. Your thoughtful analysis and insightful commentary never fail to leave a lasting impression. Thank you for sharing your wisdom with us.
Just wish to say your article is as surprising The clearness in your post is just cool and i could assume youre an expert on this subject Fine with your permission allow me to grab your RSS feed to keep updated with forthcoming post Thanks a million and please keep up the enjoyable work