Articles

ظاهرة تسييس المنابر: حين يغيب الوعظ ويحضر الصراع الحزبي

د. شعيب كيبي

تشهد الساحة السنغالية في الأشهر الأخيرة حالة غير مسبوقة من الاستقطاب، خصوصاً بعد وصول حزب باستيف إلى السلطة وما رافق ذلك من تجاذبات سياسية واصطفافات اجتماعية، تزايدت حدّتها مع ما يُتداول اليوم من توترٍ وانشقاقٍ سياسي بين شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء عثمان سونكو والرئيس بشير جوماي في.
وفي خضم هذا المشهد المضطرب، برزت ظاهرة مقلقة تتمثّل في تحويل بعض منابر الجوامع في طوبى – من الحواضر الدينية في السنغال – إلى منصات سياسية، تُعبَّر فيها عن المواقف الحزبية الضيقة، وتُوجَّه الجماهير، وتُشحذ العواطف لخدمة توجهات حزبية أو صراعات شخصية.

قدسية المنابر ومسؤوليتها الشرعية:

إن المنبر الديني في ثقافتنا الإسلامية ليس أداة للصراع، ولا مساحة للتجييش، بل هو مقام شرعي يُفترض أن يعلو فيه صوت الحكمة، وتُبلّغ عبره مقاصد الشريعة، ويُحقق من خلاله واجب التوجيه والإرشاد وتهذيب الأخلاق وتزكية المجتمع.

وحين ينزل المنبر من مكانته الروحية إلى ساحة التجاذب السياسي، فإنه يفقد رسالته، ويُفقد الناس ثقتهم في خطابه، ويُحوِّل العبادة الجامعة إلى مساحة خلاف وفرقة.

مخاطر تسييس المنابر:

إن خطورة تسييس المنابر لا تكمن فقط في مخالفة وظيفتها الشرعية، بل تتجاوز ذلك إلى آثار عميقة على المجتمع، من أهمها:

-تغذية الانقسام الاجتماعي داخل بيوت الله، في حين أن المسجد وُجِد ليكون واحة وحدة.

-اختطاف الوعي الديني لصالح أجندات ظرفية لا تخدم المصلحة العامة.

-تحويل الخطب الوعظية إلى خطابات تعبئة حزبية، تفقد مصداقيتها وتأثيرها.

-إضعاف مكانة العلماء والخطباء حين يُنظر إليهم كأطراف في معادلات سياسية.

-تغذية العداوات بين المواطنين وإثارة الشكوك المتبادلة على أساس الانتماء الحزبي.

وجوب الحياد: حماية للدين وحماية للوطن:

إن حياد المنابر ليس ترفاً ولا خياراً ثانوياً، بل هو واجب شرعي وأخلاقي، لضمان بقاء المسجد مكاناً جامعاً لكل الناس، مهما اختلفت توجهاتهم.

والشرع ذاته حين أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يجعل ذلك أداة لصراع سياسي، ولا وسيلة لإقصاء الخصوم، بل علاقة إصلاح بين أفراد المجتمع، تُراعى فيها الحكمة والمصلحة العامة.

إعادة ضبط وظيفة المنبر:

إن المرحلة الدقيقة التي تمر بها السنغال اليوم تجعل من الضروري التذكير بما يلي:

  1. عودة المنابر إلى وظيفتها الشرعية في الوعظ والتربية والإصلاح.
  2. التزام الخطباء والعلماء بالحياد والابتعاد عن الاصطفاف السياسي.
  3. الحفاظ على قدسية المسجد وعدم السماح بتحويله إلى مساحة للتجييش.
  4. مواكبة الأحداث بتعقل دون الانخراط في تفاصيل النزاعات الحزبية.
  5. التركيز على تعزيز السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية.
  6. ترسيخ القيم الأخلاقية التي تحتاجها البلاد في هذه المرحلة: الصدق، النزاهة، المسؤولية، احترام الآخر.

المسجد… آخر حصون الوحدة:

في أوقات الاضطراب السياسي، يحتاج الناس إلى صوت يطمئنهم، لا صوت يشحنهم؛ إلى كلمة تجمعهم، لا كلمة تفرقهم. والمسجد، بقدسيته ورسالته الروحية، يجب أن يبقى آخر خطوط الدفاع عن وحدة الأمة، لا أول ساحات الخصومة.

إن حماية المنابر اليوم هي حماية لوحدة المجتمع، وصون للدين من الاستغلال، وحفظ لاستقرار الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. I do agree with all the ideas you have introduced on your post They are very convincing and will definitely work Still the posts are very short for newbies May just you please prolong them a little from subsequent time Thank you for the post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى