A la Une

خطاب تاريخي لفخامة الرئيس “بشير جوماي في ” على منصة الأمم المتحدة

ألقى فخامة الرئيس بشير جوماي خطابا صريحا ومدوّيا أمام نظرائه في الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة ،وفي التالي أهم القضايا التي تطرق لها الرئيس “في ” بصراحة وشجاعة نادرتين :
بينما أتكلم اليوم، يغمرني اقتناع عميق بأن الوحدة في التنوع هي المفتاح لضمان السلام والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية للجميع، في كل مكان. إن موضوع هذه الجلسة، الذي يوجه مناقشاتنا، يدعونا إلى إعادة التفكير في مسؤولياتنا الجماعية، وضمان أن المبادئ التأسيسية للأمم المتحدة، التي تم تحديدها قبل ما يقرب من ثمانية عقود، تظل تحمل الوعد بعالم أكثر عدلا وإنصافا.

إننا نعيش في عالم مضطرب، حيث يتم تقويض مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي تدعو إلى المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان كل يوم. فالصراعات تنتشر، وأوجه عدم المساواة آخذة في الاتساع، وأزمات المناخ تؤدي إلى تفاقم ضعف الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، فإننا نشهد تساؤلات مثيرة للقلق حول التعددية، في وقت حيث تحتاج البشرية إليها بشدة.

ويجب على العالم أن يواجه نفسه دون تهاون. إن القيم التي أقسمنا على الدفاع عنها يتم الدوس عليها في عدة مناطق من العالم. وسواء كنا في غزة أو تل أبيب أو داكار أو أي مكان آخر، فإن كل إنسان هو حامل هذه الكرامة المتساوية، الكرامة التي تتجاوز الحدود والثقافات والانتماءات الدينية. ومن واجبنا الجماعي أن نضمن حماية هذه الكرامة واحترامها لكل إنسان، دون استثناء. وهذا الواجب هو جوهر الأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإننا نرى كل يوم أن القانون الدولي، وهو دعامة السلام العالمي، يتعرض للانتهاك في كثير من الأحيان. يتم تجاهل القرارات التي اتخذتها هذه الجمعية نفسها. ومن خلال التسامح مع هذه الانتهاكات المتكررة، فإننا ندوس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ونقوض أسس بيت السلام هذا.

لم يسبق أن اهتزت أسس الأمم المتحدة أكثر مما حدث في أوقات العنف والخوف وعدم اليقين هذه. إذا أردنا إزالة شبح الحرب والعمل من أجل عالم أفضل، فقد حان الوقت لتغيير النماذج. لقد حان الوقت لإعادة الناس إلى مركز جدول الأعمال الدولي، وهو ما يدعونا إليه موضوع هذه الدورة.

لم يعد بإمكاننا أن نغض الطرف عن المأساة التي تتكشف في منطقة الساحل. وتزرع الجماعات الإرهابية بذور الإرهاب والنهب وتقتل السكان المدنيين الأبرياء. وهذه المنطقة، التي كانت مستقرة ذات يوم، أصبحت الآن فريسة للعنف اليومي، في حين تظل الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، خاملة في كثير من الأحيان. وعلى نحو مماثل، لا يمكننا أن نقبل أن تصبح منطقة الساحل مسرحاً للخصومات بين القوى الأجنبية، التي لن تؤدي اشتباكاتها إلا إلى تفاقم زعزعة الاستقرار في المنطقة.

ويجب أن أذكر هنا أن السلام والأمن في أفريقيا لا يمكن فصلهما عن السلام العالمي، ومن الضروري أن يقوم مجلس الأمن بدوره بشكل كامل كضامن للاستقرار الدولي.

وأعرب مرة أخرى عن قلق السنغال إزاء الوضع المأساوي المستمر في فلسطين. لقد نشأت أجيال بأكملها هناك في ظل القمع، محرومة من حقها الأساسي في دولة قابلة للحياة.
وتدعو السنغال، بصفتها رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار. ونكرر دعمنا لحل الدولتين، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. إن هذه الحرب، التي لا تستثني النساء ولا الأطفال ولا البنية التحتية الحيوية، تشكل جرحا مفتوحا في الضمير الدولي. ومن الضروري أن يتم إعادة ترسيخ القانون الإنساني الدولي في كافة مناطق الصراع، وأن تلعب الأمم المتحدة دورها بشكل كامل كوسيط وضامن للسلام.

السلام ليس مجرد غياب الحرب. والسلام هو أيضًا إمكانية أن يعيش كل إنسان بكرامة، وأن يطعم نفسه، وأن يجد مأوى، وأن يعلم نفسه، ويتلقى الرعاية. ومع ذلك، اليوم، هناك أكثر من 750 مليون شخص ليس لديهم ما يكفي من الطعام، ويسقط الملايين في الفقر المدقع كل يوم.

ولم يعد بوسعنا أن نقبل أن تستمر آليات الحوكمة العالمية في إعادة إنتاج هذه التفاوتات. لقد حان الوقت للتخلي عن منطق كل فرد لنفسه وبناء عقد اجتماعي عالمي جديد، يقوم على التضامن والتعاون. ويجب أن يتضمن هذا العقد إصلاحات كبرى لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية في عصرنا.

أولا، من الضروري حماية وتعزيز التعددية باعتبارها الإطار الوحيد للعمل من أجل السلام والأمن الدوليين. ويتطلب هذا إصلاحاً عاجلاً للمؤسسات العالمية، بما في ذلك مجلس الأمن، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، حتى تصبح أكثر شمولاً وتعكس الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية الحالية. ويجب أن تحظى القارة الأفريقية، على وجه الخصوص، بمكانة أكثر أهمية في هيئات صنع القرار هذه.

ثانياً، حان الوقت لتصحيح المظالم الاقتصادية التي تعيق التنمية في العديد من بلدان الجنوب. إن التجارة غير المتكافئة، والتهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة، والإعفاءات الضريبية التعسفية، تعمل على تدمير البلدان النامية، وخاصة في أفريقيا. ولابد من تصحيح هذه المظالم لتمكين كافة البلدان من المشاركة الكاملة في التجارة العالمية والاستفادة من النمو الاقتصادي.

ثالثاً، من الضروري أن نعمل بشكل حاسم ضد الانحباس الحراري العالمي، مع احترام مبدأ المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة. ويتعين على البلدان الصناعية، المسؤولة تاريخياً عن انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، أن تكثف جهودها لتمويل التحول العادل والمنصف في مجال الطاقة، والذي لا يعاقب البلدان النامية. ويجب علينا أن نحمي كوكبنا دون التضحية بحقوق الدول الأكثر ضعفا في مواصلة تنميتها.

رابعاً: ضرورة القطع مع أي محاولة لفرض أعراف حضارية أحادية. ومنذ استقلالها، دافعت السنغال دائما عن الكرامة المتساوية للثقافات والحضارات، ويجب أن يظل هذا التنوع أساس التعايش السلمي بين الشعوب. لا ينبغي لأي دولة أن تفرض ممارساتها أو قيمها على الآخرين كمعايير عالمية. احترام الاختلاف هو أساس السلام والاستقرار في العالم.

والسنغال ملتزمة التزاما راسخا بهذا المسار. لقد اخترنا بناء دولة تركز بشكل حازم على التنمية المستدامة، مع مبادرات طموحة في مجالات مثل الطاقة النظيفة والسيادة الغذائية والحكم الشفاف. ولكننا نعلم أننا، لكي ننجح، نحتاج إلى العمل الجماعي والتضامن الدولي.

ولا تستطيع أي دولة، مهما بلغت قوتها، أن تتصدى للتحديات التي تهدد البشرية بمفردها. وعلينا أن نعمل معا، متحدين في التنوع، لبناء مستقبل تحترم فيه كرامة الإنسان، وتسود فيه العدالة، ويتقاسم فيه الرخاء. وبالتعاون والاحترام المتبادل سنتغلب على الأزمات التي تهز عالمنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى