حوار مع مدير معهد تمبكتو في دكار حول القمة العربية
د. باكري صمب : جامعة الدول العربية .. لا بد من تحريك عجلات وحدتها وطي صفحة الخلافات بين الدول الأعضاء
يعد الدكتور باكري صمب من الخبراء بالعلاقات الدولية، إذ هو من المتخصصين بالعلاقات العربية الإفريقية، المجال الذي يتابعه ويراقبه عن كثب، بعد أن كان موضوع أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه، كما ألف فيه بعض الكتب منها »الإسلام والدبلوماسيا» (2011)، و «الاحتجاجات المُأَسلمة: السنغال بين التأثير الدبلوماسي وبين الإسلام السياسي»2018 التقت به صحيفة ” رفي دكار “على هامش القمة العربية التي انعقدت بالجزائر هذه الأيام فكان الحوار التالي :
1) بالنسبة للعالم العربي وللقارة الإفريقية، ماذا تعني هذه القمة ؟
تنعقد قمة جامعة الدول العربية هذه في وقت حرِج بالنسبة للعالم العربي ولإفريقيا، إذ أمامهم تحديات مختلفة مثل إعادة التموضع الضروري في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية الراهنة التي لا مفر منها، والتي سببها الصراع الروسي الأوكراني. كما أنها قمة سيتم من خلالها تعزيز الإنجازات التحررية مقارنة بالإكراهات الدبلوماسية التي كانت تؤثر سابقا على المواقف التي كانت تتخذ. يبدو أن المفهوم القديم للمحايدة يتم بعثه من الممات، وأنه يتناسب تمامًا مع عقيدة العالم الثالث في الخمسينيات من القرن الماضي بعد مؤتمر باندونغ الشهير، زمنَ القادة العظماء في العالم العربي كالرئيس جمال عبد الناصر، وفي القارة السمراء كالرئيس كوامي نكروما. أما الآن، فثمة إفريقيا جديدة تلتقي بعالم عربي مرتاب، بينما الرئاسة السنغالية على الاتحاد الإفريقي بواسطة ماكي صل تُفلح في جعل الاتحاد حقيقةً جيوسياسية تعطي الأولوية لمصالح إفريقيا الاستراتيجية، كما أنها تسعى على تنويع شراكاتها على النحو الذي أعيد تأكيده في منتدى دكار الأخير حول السلام والأمن.
2) لقد دعت الجزائر الرئيس مكي صل، الذي يرأس حاليا الاتحاد الأفريقي، إلى حضور القمة. فما جدوى هذه الدعوة ؟
بما أنه لا تعدو عينايَ عن مراقبة العلاقات العربية – الإفريقية، فإني أرى أن التاريخ يتكرر، وأن السنغال يسترجع ما كان له بالأمس من مكانة وزعامة. إضافة إلى أن كل ذلك يحدث مرة أخرى في الجزائر. والعديد من المحللين الذين يبدو أنهم فوجئوا بهذه الدعوة الموجهة إلى السنغال والاتحاد الأفريقي لا يدركون أنه لما رزحت منطقة الساحل تحت وطأة الجفاف، وكانت الشركاء الأوروبيون يعانون هم أيضا من الصدمة النفطية، قررت البلدان العربية، بمناسبة مؤتمر القمة السادسة لزعماء الدول العربية المنعقدة في الجزائر من 26 إلى 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1973، تقديمَ المساعدة إلى إفريقيا جنوب الصحراء ، وإرساءَ الأسس المؤسسية للتعاون المالي العربي – الإفريقي. فتم بذلك إنشاء بنك التنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA). إلى هذا القرار الهام ينضاف قراران آخران تم أخذهما في بداية عام 1974، في 22 كانون الثاني/يناير بالضبط. وبتلك المناسبة، أوصى مؤتمر وزراء النفط العرب بإنشاء وكالة إغاثة لصالح إفريقيا، وهي «الصندوق العربي الخاص بتقديم المعونة لإفريقيا». فوافق مبدئيا مجلس الجامعة العربية المنعقد في تونس من 25 إلى 28 آذار/مارس على إنشاء «الصندوق العربي للدعم التقني لإفريقيا». علاوة على ذلك، فإني أقول: إن قمة الجزائر هذه بوّأت السنغال مرة ثانية في المكانة التي يستحقها تاريخيا ورمزيا. وتجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب قمة الجزائر وتونس، عُقِد في دكار لأول مرة مؤتمرٌ وزاريٌّ عربي ـ أفريقي مشترك، من 15 إلى 22 نيسان/أبريل 1976، وكان الهدف فحصَ كل من مشروع التعاون العربي ـ الأفريقي، ومحتوياته وخططه ووسائل تحقيقه. أما مؤتمر دكار هذا، الذي جمع بين بلدان عربية وأُخَرَ أفريقية، فقد كان يهدف إلى إرساء الأسس التي سيعتمد عليها الخطة العملية التي تقود إلى «تعاون عالمي طويل المدى» في المجال الدبلوماسي والاقتصادي والمالي، وفي مجال التعليم والثقافة، والعلوم والتكنولوجيا.
3) بعد مبادرة دكار، هل تم إنجاز هذه المبادرات العربية ؟
أعتقد ذلك، لأن المؤتمر الوزاري الأفريقي ـ العربي المعقود في دكار عامَ 1976 كان، في ذلك الوقت، ثمرة مفاوضات بين السنغال وبين الدول العربية التي زارها إذ ذاك الرئيس لووبولد سيدار سنغور زيارة تاريخية اندرجت في هذا السياق، ومن تلك البلدان مصر والمملكة العربية السعودية والكويت. ولنجعل في الحُسبان أن القمة التاريخية الإفريقية – العربية الأولى التي أقيمت في آذار/مارس 1977 إنما انعقدت في أعقاب مؤتمر دكار عامَ 1976. وتولدت من هذه القمة، قرارات مهمة تم أخذها من أجل مضاعفة المساعدات الرسمية العربية لفائدة الدول الإفريقية. ومن هذه المساعدات ما يتعلق بالقطاع الزراعي ومنها ما يتعلق بالصيد وآخر بالماء، وبمجال النقل كذلك. وقد بذلت في هذا السبيل البلدان العربية المصدِّرة للنفط جهودا جبارة. والفوائض المالية قد ساهمت بدورها، وقتئذٍ، في تحقيق مشاريع لصالح العديد من البلدان الإفريقية، سيما السنغال، حيث شُيِّدَ سَدُّ دياما Diama وسَدُّ مننتالي Manantali، فضلا عن مشروع الصناعات الكيميائية التي أطلقت في السنغال، إلى غير ذلك من مشاريع أطلقوها آنذاك.
4) هذه القمة يراد لها أن تكون فرصة توحيد العالم العربي من جديد. هل من بشرى وقد غابت بعض الدول العربية؟
إن العالم العربي، شأنه شأن جميع بلداننا. يعاني من التناقضات والخلافات بين أعضاء «الجامعة». وإذا كان البعض يغيب هذا الغياب المتكرر، فلربما يرجع إلى التطلعات والرغبات التي نجدها عند دول في المغرب العربي وأخر في الشرق الأوسط. وقد نرى أن هذا الغياب، إن هو إلا إشارةٌ إلى أن هناك حاجة ماسة إلى تحريك عجلات الوحدة والصفح بين بعض البلدان في الشمال الإفريقي وبين بعض القُوى الخليجية. أما الشمال الإفريقي فمثاله فيما شجر بين المغرب والجزائر الذيْن لا بد أن يقع بينهما تعاون لتنجح أعمال الاتحاد الإفريقي. وأما الخليج فمصير بلدانه واحد، ويجب أن تتقاربا في أهداف استراتيجية. إن الالتزام الحريص من طرف الإمارات العربية المتحدة بمكافحة الإرهاب ينبغي أن يخلق مزيدا من التآزر بينها وبين المملكة العربية السعودية التي أطلقت هي الأخرى تحالفا عالميا لمكافحة الإرهاب، تحالفا تقوده المملكة قيادة تلقت القبول الشامل في العالم الإسلامي. وسينتفع العالم العربي والإسلامي من هذه الوحدة والصفح في مواجهته للتحديات الأمنية المشتركة وقضايا الاستقرار، ثم يستفيد أكثر من الفرص الاقتصادية في العالم الحالي. وأعتقد أن السنغال، من ناحيةٍ مَا، وباعتباره أول بلد استضاف قمة «منظمة التعاون الإسلامي» في إفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن يكون له دور حاسم في تعزيز هذه العلاقات. ولا تكاد تجد في العالم الإسلامي بلدا يستطيع التحدث إلى الجميع إلا قليلا، والسنغال من هذه القلة. وهذه المكانة التي تتمتع بها بلدنا هي التي جعلت حضوره في هذه القمة مقبولة لدى الجميع.
5) هل يمكن أن تحسن هذه القمة علاقات إفريقيا جنوب الصحراء بالعالم العربي ؟
إن العلاقات بين أفريقيا وبين العالم العربي راسخة تاريخيا وجغرافيا. فنحن لا ننسى أن العربي الإفريقي يمثل واحدا في ثلاثة، وهذا من حيث نسبة السكان في أفريقيا. أما عالميا فثلاثة أرباع العرب موجودون في القارة الإفريقية. والواقع الجيوسياسي مع العلاقات الدولية وقضايا الأمن والهجرة لا يزال يذكرنا بأن الصحراء لم تكن أبدا رَدْما غير قابل للعبور، إنها بحر داخلي يدعو دوما إلى الإبحار من شاطئ إلى آخر قصد اللقاء والتعارف. إن هذه القمة فريدة من نوعها، وذلك بفضل الأهداف التي تنشدها والسياق الذي تندرج فيه. وهذا هو الذي سيمكّن، في رأيي، من إحياء فكرة باندونغ القائمة على التضامن. والآن ونحن نشهد الإعلان عن «اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفر يقية»، ويعيش إفريقيا والعالم العربي واقعا جديدا مستمرا يحدث فيه تنويع الشراكات، تمثلت فرصة جديدة لكل من الكتلتين الجيوسياسيتين المتكاملتين من جميع النواحي. يبقى فقط أن نتغلب على الرغبات الداخلية في إفريقيا وفي العالم العربي، ونأخذَ العبرة من تاريخ هذا التعاون الاستراتيجي وتعلمَ بأن مصيرنا واحد، في عالمنا المتغير هذا. وفي مثل هذه التشكيلة، فإن حضور السنغال الذي يرأس الاتحاد الأفريقي، باعتباره همز الوصل ونقطة استمرارية اجتماعية – تاريخية وجغرافية قادرةً على الحفاظ على أفضل العلاقات مع جيرانه الأفارقة وشركائه العرب، ويمكن أن يكون ميزة كبيرة في رفع هذه العلاقات إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق.