Articles

مقال: “حتَّى نحدِّدَ حجمَ القضيَّةِ”

كتب: فاضل المأمون

تعتبرُ الكتابة من أنجع الوسائل للهجوم والردّ والإقناع، ولنا في التاريخ أمثال عديدة، لكن المشكلة تكمنُ في أن كتاباتِ أكثر المستعربين غير متصفةٍ بالواقعية، حيث أنها لا تتناسبُ وواقعَ السنغال ولا حالتها السياسية، فنجدُ من يُعتَقدُ أنَّه كاتبٌ بارزٌ يدعو إلى الانقلاب والثورة وإسقاط النظام، متأثراً في كلّ ذلك بالواقع السياسي العربي، إذ أنه في أكثرِ الحكومات العربية لا يمكن تغيير نظامٍ فاسدٍ إلاَّ بالثورة أو الانقلاب، إما لأنَّ أنظمتها لا تقبلُ التصويت، كالأنظمة الملكية، [وهذا لا يعني أني أعارضُ النظام الملكي إن كان خيراً للبلاد والعباد] أو أنها تتستر بالديموقراطية والتصويت ليبقى في الحكم أكثر مدة ممكنةٍ، ففي هذه الحالة لا يمكنُ تغييرُ ذاك النظام الفاسد إلا بالانقلاب والثورة، أما عندنا وأخصُّ بالذكر الجمهورية السنغالية التي لم تعرف انقلاباً لا عسكريا ولا شعبيا في تاريخها، فهذا الأسلوب لا يناسبهُ، حيث إنَّ كل الرؤساء الذين تناوبُوا الحكمَ جاؤوا بطريقة ديمقراطية سِلمية، من رئيس “سنغور” مروراً بـ”جُوف” وصولاً بِـ”واد” و”ماكِي”، بل إنه لم ينهزمْ رئيسٌ في الانتخابات الرئاسية إلاَّ اتصل بشكلٍ هاتفي متلفزٍ ليُهنَّأ الرئيس الفائز ويدعو له بالتوفيق، وهذا لا يعنِي بالمرَّة أن الشعب السنغالي يتركُ لرئيس الجمهورية أن يفعلَ ما شاءَ كما شاءَ، فلم يتوانَ الشعب أبداً في المظاهرة والخروج السلمي تنديداً لبعض القرارات التي يتخذها بعض الرؤساء إن دعتِ الحاجة إلى ذلك، انطلاقاً من حكم”سنغور” إلى حُكم”ماكي”، وفي كل مرة تتراجعُ الحكومة عن قرارها، ويكونُ الشعب هو المنتصر، هذا لأنَّ ديموقراطية الوطن تقتضي ” أنْ يكمِّل الرئيس المنتخبُ ديموقراطيًا ودستوريا فترة حكمهِ المحددة، ويكونُ للشعبِ الحقُّ في معارضة أي قرارٍ رئاسي عندما يراها ظُلماً أو فساداً”.
وعليهِ فيجبُ عند اتخاذ موقفٍ أو كتابة مقالةٍ التركيزُ على النقاط التالية:
1- الواقعية في القرار: فليس من المعقولِ نسخُ حلولٍ لدولٍ أجنبية مختلفة عن واقعنا، لتحلَّ مشاكلنا، ولنا في قضية كورونا خيرَ مثالٍ.
2- إمكانية التحقُّق: بتجنُّب تلك القرارات المثالية التي يستبعد العقل تحقيقَها في واقعِنا.
3- تحديد حجم الحلول: باتخاذ حلولٍ على حجم المشاكل، فليس من المعقول إضرام حربٍ أهلية لمقتلِ بعيرٍ ما، فما يمكنُ حلُّه سلميا لا يجوز إستخدام العنف فيه، وما يمكنُ حلُّه بالمظاهرة لا نحتاج فيه إلى انقلاب شعبيٍ.
4- التفكير إلى المآلات قبل اتخاذ الحلول: لتجنُّبِ تلك الحلول التي تزيدُ من الطين بلةً، ولا تفيد شيئاً للقضية.
5- تجنُّب المغامرة وادِّعاء الشجاعة في مصير الشعبِ: في أموركَ الشخصية لك أن تتسلَّق جبل كيليمانجارُو بدونِ احتياط، أما عندما يتعلَّق الأمر بمصيرِ شعبٍ في عداد 16 مليون حينها يجبُ الابتعاد عن النوازع الصبيانية والمغامرات النابتة، واتخاذ كلِّ حلٍّ بحكمة وبصيرة.
6- اتخاذ العبرة: ليس من القرارات الناجحة فقط، وإنما من القرارات الفاشلة أيضاً تفاديًا للوقوع في خطإ مماثلٍ.

  • وأخيراً يجبُ مواجهة هذا النظام الغاشم، ومعارضة قرارتهِ الديكتاتورية- بل، والظُلم عامةً مهما كانَ شكلُه أو لونُه- لكن يجبُ أيضاً تحديد حجم القضية، وعدم محاولة حلِّها بمشكلة أكبرَ وأخطر.

كولخ السنغال
25 يونيُو 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما شاء الله دكتور فاضل مأمون جوب.
    هذه السطور بمثابة ثمار ناجعة ينبغي لفت النظر بها في الساحة.
    كفى الاستبداد والقمع الذين كنا نعانيها منذ زمن بعيد وكأن الشعب لا يبالون المحن والبليات التي كان الرؤساء الجائرون يبلونها عليهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى