الوطن في حداد…
كتب/ الحاج أبو زينب
لقد رحل رجل عظيم, إنّا لله وإنّا إليه راجعون لقد فجع الوطن بفقد ابن من أبرّ أبنائه, ورمز من أبرز رموزه, وصديق من أصدق أصدقائه! وجند من أخلص جنوده, لقد رحل علي بدر جانج, لكن لن يرجل صدقه, لقد فارقنا جسده ولن يغيب عنّا الهدف الذي نذر حياته من أجله, عاش ليكون خادما للوطن.
أحسّ بمعانات العباد فتناولها بقلمه الحرّ الذي لا يرجو من مخلوق جزاء ولا شكورا, لا يحول بينه وبين مصلحة الوطن شيء, إذا رأى أنّ المجتمع في حاجة إلى كلمة حقّ قالها, وإذا اقتنع أن الوضع يحتاج إلى رأي سديد يفصل في النزاعات نشره ودعا إليه, كان لا يخاف في مصلحة الوطن لومة لائم, ولا يحابي في ذلك أحدا.
لو أردت أن ألخّص لكم حياة هذا الشهم في كلمة واحدة أقول إنّه رجل متواضع, لقد دفعه عقله النيّر إلى طرق جميع الأبواب لنفع الوطن, حتى تمثّل أدوارا قد يستنكف عنها بعضنا, لم يكن يرى لنفسه أيّة قيمة إذا احتاج البلد إلى خدماته, ظل يقول يجب أن تكون أوطاننا أغلى من حياتنا, لم يلق هذا الدرس شفهيا, ولكن ترجمه إلى واقع معاش .
لما نتحوّل إلى أصدقاء لأوطاننا نضحّي بالمال والوقت والعلم في سبيل نهضتها, ونتعاون في حلّ مشكلاتها, نكون بذلك قد أدّينا بعض الواجب, وبقي واجب آخر أثقل ألا وهو الثبات على الخدمة إلى الممات, والحذر كلّ الحذر أن تضيع الإبرة على أيدينا , ونخون الأوطان, ونفقد ما أوصله الأجداد بعد جهد جهيد.
لقد قلت في مقال سبق: إنّ من الناس من سكنوا القلوب ولن يفارقوها, وأجبروا الناس على احترامهم, و لم يصلوا إلى تلك المكانة بمالهم ولا جاههم, ولكن بصدق انتمائهم إلى الحقّ للدفاع عنه, والحنين إلى التراب, والشعور بواجب خدمته, وردّ بعض الجميل, والنزول إلى جميع طبقات المجتمع لمعرفة المعضلات التي تحيط بهم, والسعي في القضاء عليها.
يا خادم الوطن نم قرير العين فإنّ التراب يقدر أن يأكل الجسد ولكن لا يستطيع أن يبلع الإحسان, فقد أدّيت ما عليك وبقي على الشعب أن يخلّد للأجيال القادمة هذه التضحية وهذه الشجاعة, وهذه القناعة, كان بإمكانك أن تقول كلمة نفاق ترضي بها قوما, لتترك لورثتك ميراثا عظيما, فالذين باعوا ضميرهم وخانوا أوطانهم ليسوا بأذكى منك, لقد عشت عفيفا, ومتّ كريما, فإلى الجنة الخلد بإذن الله