Articles

العلاقات العربية الأفريقية: من الجذور التاريخية إلى تنويع الشراكات

الدكتور باكري سامب

علمتْنا الحكمةُ الأفريقية أن العالم قديم، لكن المستقبل ينبثق دائمًا من الماضي. إن أفريقيا والعالم العربي يتقاسمان الجذور التاريخية والثقافية وتربطهما علاقات عميقة وطويلة نسجتْها قرونٌ طويلةٌ من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري. وتحتل أفريقيا أكثر من 78% من مساحة الوطن العربي، كما أن 73% من العرب يعيشون في الجزء الأفريقي، إضافةً إلى الصحراء الكبرى لم تكن دائما غابةً منعزلة ووعرة، بل إنها شكلتْ دائما همز وصل بين الشعوب ومفتاحا لازدياد الاتصالات وفرصة لخلق وحدة وطنية. وتعد تجربة التعاون العربي الأفريقي من أقدم تجارب التعاون الإقليمية إذْ يمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي، ويمكن رصد تطور العلاقات خلال ثلاث مراحل تاريخية: مرحلة ما قبل العهد الاستعماري، ومرحلة الاستعمار، ومرحلة ما بعد الاستقلال.

لعل هذا المقام لا يسمح بالخوض في تفاصيل، لكن ينبغي الإشارة هنا إلى أن الدول العربية والأفريقية قد التقت في عام 1955 في مؤتمر باندونغ مع نظيراتها الآسيوية في إطار حركة العالم الثالث، ونعرج على هذه النقطة لشد انتباه القارئ العزيز إلى أن الذين يتحدثون عن فاعلين جدد في الساحة الجيوسياسية الأفريقية، بالإشارة إلى الدول العربية، يجهلون أو يتجاهلون أن التعاون العربي الأفريقي سبق اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع المجتمع الأوروبي، بل إن الاستعمار حاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا، إلا أنه في الوقت ذاته عزّز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا. وقد شهدت مرحلة ما بعد الاستقلال درجةً عاليةً من التنسيق والتضامن في العديد من القضايا الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية والإعلامية.

وعلاوة على ذلك فإن العواقب الضارة التي خلفتها صدمتا النفط في عامي 1973 و1979 على الاقتصادات الهشة للدول الأفريقية كانت قد دفعت الدول العربية إلى أخذ تدابير سريعة وفعالة لتقديم يد العون لـ ” إخوانهم ” الأفارقة. ولا يخفى أن المساعدات العربية العامة لأفريقيا، في خضم الجفاف في منطقة الساحل، كانت بالفعل إحدى النقاط التي نوقشت في مؤتمر قمة رؤساء الدول العربية الذي تم عقده في الجزائر من 26 إلى 28 نوفمبر 1973 لتعزيز العلاقات العربية الأفريقية وإعطائها بُعداً سياسياً أكثر عمقاً وتأثيرا.

وإلى جانب هذه الأخوة المصطنعة أو الحقيقية، كانت هناك إرادة سياسية لتوحيد الجهود الدبلوماسية، حيث إنه في الفترة التي تلتْ عقدَ هذا المؤتمر أُنشئت المؤسساتُ الماليةُ لدعم التعاون العربي الأفريقي وهي: الصندوق العربي للمعونة الفنية للبلدان العربية الأفريقية، والصندوق العربي للقروض في أفريقيا، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. وقد دمج الجهازان الأخيران في جهاز واحد. وقد تحدثت مجلة سنغالية تدعى ” أفريقيا المسلمة ” عن هذه الحالة قائلة: ” إذا كان صحيحاً أن العرب ليس لديهم إخوة أقرب إليهم من الأفارقة، فمن الصحيح أيضاً أن الأفارقة ليس لديهم إخوة أقرب إليهم من العرب. وهذه الملاحظة، التي تبدو واضحة عندما يتعلق الأمر بالشعوب، تبدو واضحة بنفس القدر على مستوى الدول.”

فعلا، لقد كانت قمة الجزائر عام 1973 مثالاً واضحاً على روح الأخوة العربية الأفريقية، بل لقد كانت رمزية جدًا في انعقادها وتطورها ونتائجها. وشكل عام 1976 ذروة هذه السياسة في المساعدات العامة والتعاون العربي الأفريقي على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والمالية، مما مهد الخطوات الإيجابية السابقة للمشاركة القوية للسنغال في المؤسسة، ومن ثَم تطوير سياسة تعاون حقيقية؛ لأن الدول مثل مصر والمملكة العربية السعودية والكويت استضافت في هذه الأثناء زيارة تاريخية من الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور لتسريع التعاون بين السنغال وأفريقيا والعالم العربي.

ورغبةً في خلق فرص تعاون قوية بينها وبين السنغال، وتحقيقًا للتطلعات والطموحات المشتركة في كافة مجالات التعاون، وتتويجا للتضامن العربي الأفريقي، استضافت داكار المؤتمر الوزاري العربي الأفريقي الأول في الفترة من 15 إلى 22 أبريل 1976، بهدف دراسة مشروع التعاون العربي الأفريقي وفق أساليب ووسائل عمل متفق عليها، وامتاز هذا المؤتمر بالشمولية وطول الأجل. وبعد أن كان هذا المؤتمر تحضيرياً، أعقبه في العام التالي مؤتمر قمة أفريقية عربية في مارس 1977 في القاهرة والذي جمع أكثر من ثلاثين رئيس دولة، اتخذوا قرارات عزيمة وقوية لزيادة المساعدات العربية العامة لأفريقيا جنوب الصحراء في مجالات الزراعة والصيد والنقل والهيدروليك، وقد استفاد منها السنغال بحصولها على تمويلات من أجل بناء السدود.

وأخيرًا، ينبغي أن تُلهم هذه الأمثلة التاريخية العلاقات الحالية التي يتم بناؤها من أجل تعاون عربي إفريقي متجدد يستفيد من سياق عالمي جديد يدعو إلى تآزر أفضل بين بلدان الجنوب. وفي الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن منطقة التجارة الحرة القارية وتشهد فيه أفريقيا والعالم العربي زخما جديدا ودينامية غير مسبوقة لتنويع شراكاتهما، فإن فرصة جديدة لمستقبل مشترك تنفتح أمام المجموعتين الجيوسياسيتين المتكاملتين في كل شيء

المدير المؤسس لمعهد تمبكتو ، المركز الأفريقي لدراسات
السلام
دكار ، باماكو ، نيامي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى