الإرث الثقافي السنغالي أمام الحداثة
.أبوبكر السنوسي
حياةُ المُجْتمعاتِ لم تصِلِ بأفرادِها إلى مستوًى من النّضجِ والوعيِّ ، حتّى يؤدّيَ بهم إلى فكرةِ فرضِ جانبِهم الحضاريِّ والثّقافيِّ على المُجتمعاتِ الأخرى ؛ لأنَّ توفيرَ الجانِبِ المعيشيِّ والأمنيِّ كان الهمَّ الأساسيَّ ؛ لأجل البقاءِ وردِّ العُدوانِ ، ولِضَمانِ استمراريّة حياتِها .
وهذا التدني من الحياةِ ، يورث نوعا من الضنّ على عدم وجودِ انصهارٍ تراثيٍّ ، للشعوب المجاورة ذات تراث معاكسٍ ؛ لأنّ ذلك يعتبر لديهم فقدان الخاصيّة الأساسيّة التّي تميزهم عن الآخرين من حيث الهويّة والحضارةِ ، وهذا الفقدان قد يؤدّي إلى الذوبانِ ، وانْطِماسِ معالمِ مصيرِ أفرادها ، هم في صدد تبني فكر نهضويّ وتنويريّ ؛ انطلاقا من إرثهم التاريخيّ ، الذي يعتبر بأنه بنية تراكميّة تشكّلتْ عبر أجيالٍ متلاحقةٍ .
وهذا الانصهار تفرضُهُ استحالةُ استقلالٍ تراثيٍّ ، في عصرٍ تزدادُ حاجاتُ المجتمعاتِ ببعضها البعض ، وتتجاوز الحاجاتِ الطبيعيّةَ الأساسيّةَ ، نحو حاجةٍ أحرج وأعمق …
خاصة المجتمعاتِ الأفريقيّةَ التّي لوحظ في ميدانِها التربويّ والرياديّ ، تراجعُ القفزة النوعيّة التّي تساهم في استمرارها مناهجُها الدّراسيّةُ ، تلك المناهج التي صورة طبق الأصل ، للمناهج الغربيّة تعكسُ المجتمعاتِ الأفريقيّةَ من حيث الواقعُ المعاش والتّاريخُ .
وهذا الانعكاس الحاصل بين الواقعين ، أدّى إلى تأزّم العطاء المأمول لمؤسساتها التربويّة والتعليميّة وحتّى المهنيّة والاستخباراتيّة المجتمعيّة ، وإلى نحالة الدور المنتظر لديها في تفسير القضايا بصورة أكثر منطقية وعقلانيّة ومقنعة ، وتقديم الرؤى ذات طابع أوضح لأبناء تلك المؤسساتِ .
وللِسّنغال إرثها التاريخيّ من الجانب الحضاريّ والثّقافيّ ، الذي عزم ضمانَ استمراره أجدادُ أبنائها ، وتهيئة طرق إيصاله إلى الأجيال المتلاحقةِ ؛ رُغم سياسات الاستعمار التّعسفيّة ، التّي مورستْ في حقّ حريّة أبنائها ومصادرهم الحيويّة .
ومن خلال هذا الإرث يحاولون إجهاضَ فكرةِ استنطاقِ مستقبلهم ، لِيقدّم إليهم معالم واضحةً ، وفضاءات أكثر رحابة ، تتيح لهم تلك الفضاءات فرصةَ ترجمة أفكارهم في ميدان رياديّ ، وموقف حيّ ومستديم .
لكنّ أمام مظاهر الحداثةِ ذات البعد الاِستشراقيّ اللّيبيراليّ ، الداعي إلى التّحرر من سلطة النّص في ظلّ ثوابت العقل الإسلاميّ ، التّي تحاول - في زعمهم - تضييق السّاحة الفكرية والإنتاجيّة بِعُبابٍ من الأحكام ذات المنهج الربّانيّ ، المنهج الذي يختلف عن الفكر الاستشراقيّ من حيثُ الإحاطةُ والشّموليّةُ …
وهذا الفكر الاستشراقيّ الداعي إلى الحداثةِ ، ساهم بنطاقٍ أوسع في تبني أبناء معظم الأفارقة أفكار مؤسسيه ، وتوجيه مسارها ، واستنساخ نماذج حياتهم بطريقة عشوائيّة ، دون مبادئ وأسس سليمة .
وهذا التبنيّ أدّى إلى إذابة إرث الشعب السّنغاليّ التاريخيّ في هذا العصر بالذّات ، وتنتاب الباحثين الذين يهتمون بتاريخ الشعوب – خاصّة شعوب غرب أفريقيا ( شعوب السّنغال ) فكرة كيفية غسلِ الأدمغةِ الأفريقيّة ، وبنائها بناءً يستسيغه العقل والواقع الإفريقيّ .
السّنوسيّ