Articles

أزمة السودان: من أجل حل عاجل ومتضافر

دكتور باكر سامب

لا يمكن لأي مراقب عاقل أن ينظر إلى الأوضاع الراهنة في السودان دون أن يدرك خطورة الموقف وضرورة التحرك الفوري لإيجاد حل شامل ومستدام. فالصراع الدائر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي انطلق في أبريل 2023، تجاوز كونه شأناً داخلياً ليصبح تهديداً وجودياً للاستقرار في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
لقد كانت الأحداث الأخيرة في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بمثابة جرس إنذار مدوٍ. حيث أدت المعارك الشرسة، وخصوصاً سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع، إلى تصعيد مروع في العنف ضد المدنيين، وتزايد التقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. إن الفاشر ليست مجرد مدينة، بل هي رمز لأزمة دارفور المتجددة، وملتقى طرق استراتيجية يهدد سقوطها بتفكك أعمق للبلاد. وقد أكد استهداف المستشفيات والبنية التحتية الأساسية، وتأكيد تقارير اليونيسف على تفاقم المجاعة في دارفور وكردفان، أننا أمام كارثة إنسانية متعمدة تقتضي تدخلاً دولياً أكثر حزماً لضمان حماية المدنيين وفتح ممرات آمنة للمساعدات.
إن عدم معالجة الأزمة السودانية يفتح الباب على مصراعيه لـتمدد إقليمي خطير. يحد السودان سبع دول، ومع استمرار تدفق اللاجئين والمقاتلين وتداول الأسلحة، يزداد القلق من زعزعة استقرار دول الساحل والقرن الأفريقي (مثل تشاد، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وليبيا، ومصر). هذه التوترات الأمنية تترجم إلى ملايين اللاجئين الذين يتدفقون على دول الجوار، ما يضع ضغطاً هائلاً على الموارد المحدودة ويزيد من التوترات الاجتماعية والأمنية في تلك الدول. كما أن تفاقم الصراع يجعله هدفاً للتدخلات الخارجية من قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها، ما يعمق الانقسام ويزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي بقيادة سودانية. ولا يقتصر الأثر على أفريقيا، فالسودان شريك أساسي في الأمن الإقليمي العربي، وتدهور الأوضاع فيه يمثل تهديداً مباشراً لـأمن البحر الأحمر، ما يؤثر على حركة التجارة الدولية والاستقرار في الشرق الأوسط.
إن التاريخ لن يرحم المجتمع الدولي إذا تقاعس عن التحرك. الحل الوحيد الممكن هو حل سياسي عاجل يتطلب أولاً وقفاً لإطلاق النار غير المشروط، يتم تدعيمه بآلية مراقبة دولية قوية لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية. ثانياً، يجب ضمان الوصول الإنساني بشكل فوري، من خلال إزالة كافة العوائق أمام قوافل الإغاثة، وتوفير التمويل اللازم للاستجابة لأكبر أزمة نزوح في العالم. وأخيراً، يجب إطلاق عملية سياسية شاملة، بقيادة الأطراف السودانية المدنية، وبدعم من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لإعادة تأسيس الدولة على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع المكونات وتنهي حقبة الهيمنة العسكرية.
السودان يستنزف، والفاشر تحترق، والاستقرار الإقليمي يترنح. إن الأوان قد فات للتأمل أو التأجيل، ويجب على القوى الكبرى والإقليمية أن تدرك أن حل أزمة السودان هو استثمار في السلام العالمي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. Your blog has quickly become my go-to source for reliable information and thought-provoking commentary. I’m constantly recommending it to friends and colleagues. Keep up the excellent work!

  2. قلبي مع الشعب السوداني وأتفهم قلقه من التصعيد. أتمنى أن يتحد الجميع لإيجاد حل عاجل ومستدام يجلب السلام والاستقرار للجميع.

  3. Wonderful beat I wish to apprentice while you amend your web site how could i subscribe for a blog web site The account aided me a acceptable deal I had been a little bit acquainted of this your broadcast provided bright clear idea

  4. Just wish to say your article is as surprising The clearness in your post is just cool and i could assume youre an expert on this subject Fine with your permission allow me to grab your RSS feed to keep updated with forthcoming post Thanks a million and please keep up the enjoyable work

  5. I loved as much as youll receive carried out right here The sketch is tasteful your authored material stylish nonetheless you command get bought an nervousness over that you wish be delivering the following unwell unquestionably come more formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this hike

  6. أنا من الذين لم يتفاجؤوا بمئالات الأوضاع المأساوية والدموية في سودان.
    لقدكنت نبهت أصدقائي على خطورة مأس
    سة مليشيات الدعم السريع، إذ أن الوجه الحقيقي لزعيمها المسمى حمدان دغلو قدانكشف لأول مرة بالجرائم الوحشية التي تزعم ارتكابها في أقليم دارفو بعيد إنشائها .
    والآن يعود هذا المجرم لنفس الجرائم على نفس الناس في نفس المنطقة.
    والذنب كل الذنب يقع على عاتق الرئيس الأسبق حسن البشير والشيوخ الذين كانوا معه في إنشاء هذه المليشيات المشؤومة لأسباب أمتنع عن ذكرها هنا.

  7. I simply could not go away your web site prior to suggesting that I really enjoyed the standard info a person supply on your guests Is going to be back incessantly to investigate crosscheck new posts

  8. Khám phá thế giới giải trí trực tuyến đỉnh cao tại MM88, nơi mang đến những trải nghiệm cá cược thể thao và casino sống động.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى