Articles

ويسقط القناع في أجواء الحملة الإنتخابية

بقلم أحمد جه

في أجواء الانتخابات لرئيس خامس للسنغال يجوب المترشحون الأقطار المتباينة، نحو البقاع المتباعدة. يحملون شعارات براقة ويرفعون لافتات دعائية مختلفة. يطلبون أصوات الناخبين. بفنون سياسية إقناعيّة تبرّر خياراتهم ويشرحون بها برامجهم التنموية… ومن هنا نرى قناع المجتمع السنغالي يتساقط لمن يتابع حملات الانتخابات، وماذا كشف عنه سقوط القناع؟

كشف القناع عن مجتمع غير مقتنع بما يُعرض عليه من تفاهات وخزعبلات، ومواعيد عرقوب.. ما جعل نِسبة المتابعين لأنشطة المترشحين ضئيلة جدّا. ويُلاحَظ ذلك في تجمهراتهم وقوافلهم وحتى في منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم؛ إذْ شُغل غالبية الشعب أن يصلوا حيث يجدون ما يسدّ لهم جوع يوم أو يومين، لأنهم من عداد طبقة “غُورْغُورْلُهْ”: لا يكادون يوفِّرون قوت أسبوع كامل، وأمّا إذا ضمن لهم المترشح الزائر ما يكفي لقوت عياله فقد يتابعونه أمتارا على الأرض ليسدّوا له فراغه كما يسدّ هو رمقَهم..

كشف القناع عن مجتمع متجذّر في حبِّ لغاته الوطنية، تتواصل بها في الأفراح والملمّات.. نابذا اللغات الوافدة كلّما ادلهمّ الخطب واكفهرّ الجوّ .. فها هم أولاء المترشحون يخاطبون المجتمع عندما يبغون إقناعهم بلغاتهم وإذا انتُخبوا وأرادوا إغفالهم عن محتوى سياساتهم الفارغة؛ فرضوا على أنفسهم لغة الغير بحجة أنها اللغة الرسمية حسب الدستور المستورَد. وإذا أرادوا إسكاتهم فرضوا عليهم لغة الدستور فيفضّلون السكوت على اللحن الجليّ في تلك اللغة المقدسة منذ عهد مولير .. فالحملات الانتخابية وخطابات المترشحين بلغات القوم برهنت أن السنغال تحبّ وتفضل التواصل بلغاتها.

كشف القناع عن مجتمع يرجع إلى أصوله التربوية ويهتمّ بها، وإن لم يبق له من تلك الأصول إلا الدارات محضنَ القيم ومفخرةَ السنغال في تخريج كوادر الأمس أمثال شيخ عُمر الفُوتي ومَبَ جَخُو بَاه و الحاج مالكْ سِه والشيخ أحمد بمْبَ امْباكي… ونجوم اليوم من محتلّين مراكز التفوّق في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم من عباقرة المستقبل مثل محمد المُجتبى جالُّو والسيدة انْدَاتِي سيسِه… لترى السياسيين المترشحين في هذه الأيام الساخنة يجثون بركبهم مع طلاب الدارات ويراودون عواطف المقرئين والناشطين فيها، يعدونهم ويُمنّونهم، وهل يعد السياسيون إلا غرورا؟ .. ولكن المكشوف أن الشعب السنغالي لايزال يتعلّق بأهداب الدارات، وينتظرون برامج جادّة لتطوير المناهج فيها ورفع كفاءات الناشطين فيها لضمان تربية تليق بالطفل السنغالي الذي اختار له والده ـ بداية ـ أن يقرأ باسم ربه كتاب خالقه.

سقط القناع عن شعب يعاني شبابُه من فقدان الأمل في مستقبل مشرق؛ فركب البحر رجاءَ التخلص من وصمة عارِ مدّ يد السؤال نحو أمٍّ كانت تنتظر “تِكِّـ” من ولدها منذ عقدين من المخاض، أو من أب فان متقاعد يرحم ولده وكان أحقّ أن يُرحم.

سقط القناع عن بحار بيعت سواحلُها بخيراتها لأجانب كنسَتْ كبار أسماكها وصغارها وحتى بيضها وغذاءها؛ ولم تُبق لنا إلا مياها مالحة ميتة يصعب استحياؤُها.. ولوكان ذلك البيعُ مقابلَ ثمن جدير يصل بالتساوي أو العدالة إلى جيب كلّ مواطن، يشترى بنصيبه من تلك الموارد أرزا ولحما، ولو مِن الدواجن المغشوشة Poulet de Chair بدلا من اللحم الطري الذي كنّا نعرفه زمن الطفولة من أسماك “انْغُوتْ” و “تِيُوفْ” و”سَهدَّ” وفقدناها ـ الآن ـ بسبب سياسة الصيد الجائرة .. ما جعل جميع المترشحين حتى من كانوا على مقود الحكومات السالفة يعِدون بمراجعة عقود الصيد الجارية الحالية.

سقط القناع عن مترشحين أصحاب مليارات يطلبون أن يُنتخبوا ليساندوا المجتمع في تخفيف معاناته .. ولا أدري هل كانت لهم من قبلُ مبادرات مشهودة في مجال الإغاثة والعمل الخيري وإقامة المشاريع الاستثمارية للمجتمع؟ فيستحقّون أصواتنا بتلك المبادرات .. و إلاّ، نرى أنّ أكثر الأثرياء المترشحين في سن قريب من التقاعد وعلى شفا موعد الموت السياسي .. وقد مرّت بنا قريبا جائحة “كورونا” .. فهل وصلكم أنّ هؤلاء الذين يدَّعون الجود وحبَّ الخير للشعب قد أنفقوا ـ حينها ـ بعضَ ملايين للوقوف بجانب الشعب، والخروج به من أزمة الجائحة وتداعياتها؟ وهل سمعتم لهم فكرة مبتكرة تنمويّة ، أنفقوا فيها مما جمعوا؛ لتوقيف انسيابية الأرواح الفتيّة نحو أعماق البحار تحت شعار الشباب المشهور “برسا أو البرزخ”؟

إنه قناع يسقط في ظل الحملات الانتخابات الرئاسية؛ ليكشف عمّا نشهد. وقد أسقطته رياح الحاجة إلى جلب أصوات الناخبين من الشعب السنغالي المسالم الصابر على مواعيد عرقوب التي ستتواصل إلى نهاية يوم الـ 24/ مارس /2024 وقد تتواصل المواعيد لتملأ أيام حملات الدورة الثانية لهذه الرئاسية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى