وداعا 2024..
كتب – جبريل عائشة لي
ها هي سنة 2024 تقف على أعتاب النّهاية، تشارف على الرّحيل، كمسافر يؤدي الاجراءات الأخيرة في المطار. هاهي تطوف طواف الوادع حول محراب ديسمبر. تبكي بحرقة شديدة، تحمل في قلبها ألف اعتذار للمكلومين والمنكسرين الذين تركتهم أيامها على قارعة الأسى. إنها سنة خلفت فينا صنوفا من الذكريات، ذكريات من ضحكات وبكاء.
مع أفول شمس كل سنة يتباين الناس في قراءة ذكرياتها العالقة على ذاكرة الزمان. فهناك من يفرحون لأن القدر كان يبتسم لهم طوال السنة، كأن كل لحظة مرت في حياتهم، كانت حافلة بالنجاحات والانجازات. بينما البعض يسكبون دموع الأسى، على فراق أصدقاء وأقرباء رحلوا إلى دار البقاء، تاركين وراءهم فراغا لا يُملأ. وآخرون يجلسون على رصيف الندم، يراجعون تصرفات الماضي فيشعرون بالأسف على أشياء فعلوها أو قرارات اتخذوها، وكأن الزمن قد سرق منهم فرصا لم يُدركوها.
أما بالنسبة لي كانت سنة (2024) أشبه بالنور الهاطل من الملأ الأعلى. فلم تكن مجرد أيام وأسابيع تمضي، وإنما كانت لحظات مليئة بالنشوة ولذة العودة إلى المحاريب الطاهرة لتطهير هذه الروح الهائمة. في أحضان هذه السنة شعرت بنداء سماويّ يتسلل إلى أعماق روحي، وكأنني في الوادي المقدّس طوى، أسمع صوتا مقدّسا، عطوفا عليّ، يعاتبني على ما فرّطت في جنب الله، ثم يدعوني بالاقبال إليه للتوبة والانابة .
في رحابها قرأت صفحات وفقرات كثيرة عن كتب الرقائق والتزكية، تلك الكتب التي لم تكن كلماتها سوى نبضات تسري في روحي، تغسل عنها غبار الغيّ والضلال، وتكشف لي عن ذاتي كما أرادها الله أن تكون. كنت أكتشف مع كل صفحة أعكف عليها، أن السير إلى مدارج السالكين للعروج إلى ربّ العالمين، ليس طريقا شاقا، بل واحة سلام، وأنه كلّما خطى العبد خطوة في طريق السير إلى الله، وجد التوفيق يتساقط كالمطر، يروي عطش قلبه الباحث عن الطمأنينة والسكينة.
والله..لو عاد بي الزمن إلى الوراء، لاخترت الكتب التي تتحدث عن الأخلاق والتزكية وأعمال القلوب دون غيرها فأهضمها هضما، فهي غذاء الروح وزاد القلب، تروي الظمأ بالحكمة وتُعلي الهمم بالأخلاق والقيم.أندم من أعماق نفسي، على ساعات ضاعت في غير ما يبني النفس ويهذبها.
إنني أشعر نفس ما كان يشعر به مولاي ابن الجوزي رحمه الله، عندما تحدّث في كتابه ( صيد الخاطر) عن ندمه على عدم تخصيص وقت كاف للتأمل في النفس وإصلاحها، كان يشير إلى أن الانشغال بالعلم الظاهر أحيانا يبعد الإنسان عن التفرغ للتفكر في الآخرة وتزكية النفس.
كانت سنة مليئة بالتناقضات والمفارقات، جمعتٔ بين اللذة والألم، الفرح والحزن، الأمل والخيبة. عشت فيها مأساة Gزة العزيزة، حيث تباد الأرواح البريئة وتُقصف النساء والأطفال. كما عايشت فيها سقوط فلول السيستيم، الذي سلب شعب بلدي أبسط حقوقه، لقد فرحت عظيم الفرح على ميلاد صحوة سياسية في السنغال.
فيها رحل المفكر السنغالي العملاق أحمد مختار امبو، الذي شغل منصب المدير العام لليونسكو (1974 -1987) مُكرّسا حياته لخدمة الفكر والثقافة وتعزيز قيم التربية الإنسانية.
هذا الرجل العظيم وقف في وجه الضغوطات الأمريكية، متمسكا بمبادئه بكل صدق وثبات، ليكون رمزا خالدا للمقاومة الفكرية والتمسك بالقيم النبيلة.. فيها شهدت عودة سوريا، الشام العظيم، إلى أحضان أبنائها، وكأن الأرض نفسها قد استجابت لآلامها، وفتحت ذراعيها لمن ظلوا يحملون الأمل في قلوبهم.
في هذه السنة أخذ منّي القدر صديقي الجميل Andalla Gueye ، لم يكن مجرّد صديق بل كان مرشدا، جعلني أعشق السبحة إلى حد الهيام، ما زلت أسمع صوته الصوفي الهادئ وهو يحدثني عن بعض الأوراد، وأشعر بوجوده بعدما أقرأ بعض الأذكار. سيدي وحبيبي (أندالا) غاب جسدك، لكن روحك تسكن قلبي، وستبقى ذكراك حيّة في داخلي ما حييت. رحمك الله يا أغلى الناس، وجمعني بك في دار لا يعرف الفراق.أدعو الله أن يجعلك من أهل الفردوس الأعلى، وأن يرحمك برحمته التي وسعت كل شيء.
وداعا يا سنة 2024 رحلت كنسمة حانية تركت في الروح ندوبا من الفرح والحزن. جعلتني أبتسم وأبكي في الوقت نفسه. وأجمل ما وجدته فيك يا سنة 2024، هو تلك اللحظة التي عدت فيها إلى حضرة الله، حيث تلاشت الأزمنة وغابت الهموم وتطهرت الروح في سكون عميق، كأنك كنت مسلكا وجسرا إلى باب الرحمة وبداية رحلة جديدة نحو النور المطلق.
أيها الأحباء والأصدقاء المتابعون ! يا من تذوب قلوبكم بين سطور ألوحتي المتكسرة، إذا مرّت بكم هذه الكلمات الخجولة، فادعوا لي بصدق أن يبارك الله في دربي، ويمنحني التوفيق والهداية والثبات على الطريق.
جبرئيل عائشة لي / السماوي
tupaiwin tupaiwin
great articletai kuda bokep