وباء “كورونافيرس”، نظرة مقاصدية
الأمراض والأوبئة
التي تصيب الناس تعتبر من قضاء الله وقدره، ومنها هذا الوباء المسمى ب
“كورونا فيروس” ، الذي بدأ ينتشر بسرعة في جميع بلدان العالم، ولا
شك أن لله تعالى في هذه الأمراض والأوبئة وغيرها من المصائب حكما وأسرارا قد تخفى
على كثير من الناس، لأنه تعالى عليم حكيم لا يخلق شيئا عبثا، قال تعالى (
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا
تُرْجَعُونَ) ، وقال تعالى ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ
كَفَرُوا مِنَ النَّارِ )
و يجب على المسلم
أن يتعلم حكم الله ويتلمس مقاصده في خلقه وفي شرعه، ليزداد إيمانا مع ايمانه، فلا
يجزع أو يتسخط، بل يتصرف وفق تعاليم الشارع الحكيم، فلا يتعدى حدود الله ولا يخالف
أوامره، قال تعالى ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وفي الآية وجوب التسليم والرضا بقضاء الله
وقدره، وعدم الجزع والتسخط منها، بأي حال من الأحوال.
والشريعة الاسلامية
إنما جاءت لتحصيل المنافع وتكثيرها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وعلى رأس تلك
المصالح ” حفظ النفس ” وهو من الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع على
حفظها، فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، ولا أن يقتل غيره، سواء بالمباشرة أو
بالتسبب، قال تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا)، وقتل نفس آدمية بغير حق تعادل في الشريعة الإسلامية قتل جميع
الناس، قال تعالى ( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ … )
ويكون حفظ النفس
بإحيائها وتنميتها، وتوفير أسباب السعادة والرفاهية والعيش الكريم لها، كما يكون
بتحريم الإعتداء عليها، والنهي عن تعريضها للمخاطر ، أو حرمانها مما يسعدها ، أو
يحقق لها كرامتها.
اما مراتب حفظ
النفس فهي على ثلاث مستويات ، فمنها مرتبة الضروريات وتتمثل في كل ما يحفظ النفس
من القتل او ما يؤول به إلى الهلاك المتحقق، وتليها الحاجيات و تتمثل
في كل ما تترتب من فقدها مشقة كبيرة أوحرج شديد ، وتليها مرتبة التحسينيات وهي كل
ما يحفظ رفاهية الإنسان ويوفر له المتعة واللذة والراحة .
وأما بخصوص هذا
الوباء المنتشر ” كورونا ” فإنه يجب على ولاة أمور المسلمين شرعا وعقلا
أن يقوموا بحفظ أنفس الناس بإحيائها وتنميتها ، ووقايتهم من هذا الوباء الذي يهدد
حياتهم، ويعطل مصالحهم، وذلك من أعظم مقاصد الولاية، ومصالح الحكومة في
الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم ( مَا مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ
المُسلِمينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُم ويَنْصَحُ لهُم؛ إلَّا لَم يَدخُل مَعَهُمُ
الجَنَّةَ) رواه مسلم .
ويجب على العلماء والأئمة والدعاة والخطباء والمرشدين أن يقوموا
بتوعية الناس وتوجيههم إلى الواجب عليهم نحو هذا الوباء ، ودعوتهم إلى
حسن الظن بالله تعالى، وتمام التوكل عليه ، مع حثهم على الأخذ بالأسباب في الوقاية
من الأمراض، والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء والاستعاذة به وحده لا شريك له .
كما يجب على كل
واحد من أفراد الشعب أن يبذل جهده في التعاون مع السلطات الرسمية و العمل
بالتوجيهات والتعليمات الصحية، سواء ما يتعلق بالتدابير الوقائية من تقليل
الاختلاط والتجمعات أو فيما يتعلق بإشعار المراكز الصحية بأي حالة مشتبه في أمرها،
وذلك من طاعة ولاة الأمر والنصيحة لهم، ومن التعاون معهم على البر والتقوى .
واخيرا وليس آخر ا
، نسأل الله تعالى أن يقينا من جميع الأمراض والأوبئة ومن سيء والأسقام ، و يمن علينا
وعلى جميع المسلمين بالصحة والعافية .
بقلم الدكتور نجوغو
امباكي صمب.
جربل 5 مارس
2020 م