actualite

نواكشوط تحتضن المنتديات العربية الإفريقية للغة الضاد وآدابها ومؤتمر المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا

ملتقى قاري لتجديد حضور العربية وتعزيز الهوية الثقافية في إفريقيا

شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط خلال الفترة ما بين 27 و29 أكتوبر 2025 حدثًا ثقافيًا استثنائيًا تمثل في المنتديات العربية الإفريقية للغة الضاد وآدابها، التي نظمت برعاية سامية من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبعناية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، حفظهما الله.
وقد جاءت هذه التظاهرة الكبرى تتويجًا لمسار متصل من العمل العربي الإفريقي المشترك في خدمة اللغة العربية، وتأكيدًا لدورها المحوري في بناء الجسور الثقافية والحضارية بين شعوب القارة السمراء والعالم العربي.

نُظمت هذه المنتديات بالتعاون بين مجلس اللسان العربي في موريتانيا، واتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، والمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، ومجمع اللغة العربية بالشارقة، والندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمملكة العربية السعودية.
وقد افتتحت أعمال المنتديات في قصر المؤتمرات “المرابطون” بإشراف معالي السيدة صفية انتهاه وزيرة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة ووزيرة الثقافة وكالة، ممثلة لراعي المؤتمر فخامة الرئيس الموريتاني محمد بن الشيخ الغزواني، وبحضور معالي السيد يعقوب أمين وزير التعليم العالي والبحث العلمي في موريتانيا، ومعالي الوزير الدكتور أحمد عمر أحمد، الوزير المنتدب لدى إدارة الأراضي واللامركزية، المشرف على أنشطة منظمات المجتمع المدني في الحكومة التشادية (دولة مقر المجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا)، إلى جانب شخصيات رفيعة من قادة الفكر والأدب واللغة في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي، إضافة إلى جمع كبير من السفراء والمفكرين والباحثين والأساتذة الجامعيين.

بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين والأدباء من نحو 40 دولة وهيئة إقليمية ودولية، في مقدمتها منظمة التعاون الإسلامي، والأزهر الشريف، ورابطة علماء وأئمة دول الساحل، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة باللغة العربية.
وقد توزعت فعاليات الأسبوع على عدد من الأنشطة الكبرى، في صدارتها:

  • المؤتمر العلمي الدولي الثاني للمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا، تحت عنوان: (وسائل نشر اللغة العربية في إفريقيا واستراتيجيات تطويرها)، والذي استقبل نحو سبعين (70) ورقة علمية قدمها باحثون من مختلف أنحاء القارة والعالم العربي، وتناول قضايا تعليم اللغة العربية وتحدياتها في السياقات الإفريقية.
  • المنتدى العربي الإفريقي للأدب، الذي أبرز مكانة الأدب العربي في بناء الوعي الثقافي المشترك.
  • مهرجان أعراس الكلمات وندوة اليراعة الشنقيطية، وهما فعّاليتان احتفتا بالإبداع الأدبي والشعري وأكدتا مكانة موريتانيا كبلد المليون شاعر.
    وقد أسفرت الاجتماعات التنظيمية للمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا عن اتخاذ قرارات تنظيمية وتوجهات استراتيجية مهمة، أبرزها:
  • اعتماد تعديلات جديدة على النظام الأساسي واللائحة الداخلية للمجلس، مع قرار بترجمتها إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
  • تجديد الثقة في قيادة المجلس ممثلة في الدكتور حسب الله مهدي فضله رئيسًا “تشاد”، ونوابه الثلاثة الدكتور فؤاد بوعلي “المغرب”، والدكتور صالح محروس محمد “مصر”، والدكتور حسن عثمان سجال “جيبوتي”، مع تأجيل انتخاب نائب رابع لاستكمال المشاورات بين الدول الأعضاء.
  • تحديد مكان انعقاد المؤتمر العلمي الثالث في إحدى دول شرق إفريقيا، تعزيزًا للانتشار الجغرافي لأنشطة المجلس.
  • إطلاق جائزة إفريقيا للشعر العربي، تكريمًا لدور الأدب والشعر في ترسيخ العربية، على أن تُمنح سنويًا خلال افتتاح المؤتمر العلمي للمجلس.
  • الترحيب بانضمام أعضاء جدد من دول إفريقية متعددة، مع فتح الباب أمام المزيد من الانضمامات.
  • التأكيد على دور المجلس الأعلى كمظلة قارية جامعة لمؤسسات وأفراد اللغة العربية في إفريقيا.
    خلص المشاركون إلى جملة من التوصيات لتعزيز الحضور العربية في إفريقيا والموجهة إلى الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، من أبرزها:
  • دعوة الاتحاد الإفريقي إلى تفعيل رسمية اللغة العربية في كل دوائره ومكاتبه، بوصفها اللغة الإفريقية الأم التي يتحدث بها الملايين من أبناء القارة، والحافظة للتراث الأفريقي المكتوب على مدى قرون.
  • حث الحكومات الإفريقية على التعاون مع المجلس في نشر اللغة العربية وتعميم تعليمها، مع إعادة إحياء الكتابة بالحرف العربي للغات الإفريقية كما كان الحال قبل الاستعمار.
  • مناشدة الجهات الخيرية والمؤسسات المانحة دعم المجلس في تشييد مقره الدائم في تشاد، وتمكينه من إنشاء مراكز تعليمية في سائر الدول الإفريقية.

كما تضمنت التوصيات الموجهة للمؤسسات اللغوية والتربوية ما يلي:

  • دعم المحاضر والكتاتيب ومراكز تحفيظ القرآن الكريم بوصفها الركيزة الأساسية لنشر اللغة العربية في المجتمعات الإفريقية.
  • تعزيز التعاون والتكامل بين المنظمات العاملة في مجال اللغة العربية داخل القارة وخارجها.
  • تنظيم دورات تدريبية للمعلمين والباحثين، وتطوير الوسائل التعليمية بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
  • الحفاظ على التراث العربي الإفريقي المكتوب ونشره في صورة عصرية.
  • دعم الأدب النسوي الإفريقي وتمكين الكاتبات من إبراز إبداعاتهن في الساحة الأدبية العربية.

واختُتمت المنتديات بنداء مشترك إلى الحكومات العربية والإفريقية والإسلامية، ومنظمات التعاون الإقليمي، مثل منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، للعمل الجاد على تأسيس رابطة عالمية للغة العربية، تكون إطارًا دوليًا جامعًا للنهوض بلغة الضاد ونشرها عالميًا.

وقد خصّ المشاركون بالشكر والتقدير كلًّا من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وفخامة الرئيس المشير محمد إدريس ديبي إتنو، على دعمهم الثابت للغة العربية، وإيمانهم العميق بدورها في بناء الوعي الحضاري والروابط الإنسانية بين الشعوب. وتوجت الفعاليات بتقديم دروع تكريمية من المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا إلى الجهات الفاعلة التي كان لها الفضل بعد الله في هذا النجاح الباهر الذي حققه المؤتمر، وفي مقدمتها فخامة الرئيس الموريتاني محمد بن الشيخ الغزواني وفخامة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة. حفظهم الله.

بهذا، شكلت المنتديات العربية الإفريقية للغة الضاد وآدابها في نواكشوط منصة فكرية فريدة لإعادة الاعتبار إلى اللغة العربية كأداة تواصل حضاري وإنساني بين الشعوب الإفريقية والعربية.

وقد أثبتت التظاهرة أن لغة الضاد ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي رمز للهوية والانتماء، وأفق للتنمية والتكامل الإفريقي العربي.
إنها رسالة من نواكشوط إلى القارة والعالم، مفادها أن اللغة العربية ما زالت تنبض بالحياة، وتواصل أداء رسالتها في بناء المستقبل.

د. إبراهيم برمة احمد
الأمين العام للمجلس الأعلى للغة العربية في إفريقيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى