مقال : يسألونك عن ثامنَ عشر من شهر صفَر!!
بقلم: شعيب بن حامد لوح
إنه يومٌ وافق السبت 18 صفر سنة 1313 من هجرة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، خرج حاملُ لواء التجديد وناصر السنة وحَامي حظيرة الشريعة، الشيخ أحمد بامبا الشهير بخادم الرسول من دياره “امباكي بَاري” في سفر يهدف لخدمة المُختار -صلى الله عليه وسلم-، بعد وِشاية قام بها مَن رأوا في مشروعه خَطرا يهدِّد مصلحتَهم الآنية، ويبدِّد أحلامهم، ويفسد أمانيهم.
خرج مختارا ومظلوما إلا أنه رأى في خروجه ذلك منحةً ونعمة تعود نفعهما لجميع المسلمين تأتيان بعد مِحنة ونقمة سيتحمَّلهما دون قومه، مرَّ بأماكنَ شتَّى وديار متفرقة لاقى في كل منها صُنوفا من الاضطهاد وألوانا من العذاب لن تقف أمامها الجبالُ الرَّواسي، جعل شعاره الصبر والتوكل على الحيِّ الذي لا يموت، واتخذ من سير الأنبياء أسوة، ومن حياة الأولياء والصالحين قدوة متبعة.
ولم يعرف التأوُّه سبيلا إليه في كل بلاء ينزل عليه ولم يقم بالشكوى ولم يحُك ظفره جلده، لم تمنعه مشقةُ السفر عن واجب الجهاد لأعداء الله بقلمه ولسانه ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الانخراطِ في سلك الإسلام.
لا يمر يوم إلا وكان الذي تلاه أشد وأظلم من سابقه، يستمر في مناجاته ربه وفي كتابته تآليف فاق حسنها اللؤلؤَ والمرجان، فيها كل أنواع العبادات التي أكدها القرآن والسنة من ذكر وشكر وصلاة وابتهال ودعاء…
فعلَ النصارى المستحيل كي يتراجع عن موقفه، واستعملوا في ذلك تارة طريقة السِّلم وأحيانا أخرى طريقة القهر والإذلال وهو متشبِّثٌ على مبادئه، لا يتوانى عنها ولا يتركها قيد أنملة مع إيمان لا يتزعزع أبدا.
ثم لما وقفوا -بعد أن عَجَموا عودَه- على حقيقته وأصالة طموحه ووضوح هدفه ووفور عقله وصفو باطنه وثبات ركنه أيِسوا منه وأعادوه إلى مَسقط رأسه بخُفَّيْ حُنين.
لم يملك قلبَه الانتقامُ ولم يتذكَّر قسوةَ أيامه في أيديهم بل أنيسُه هديُ وسيلته في العَفو والصفح، وصرَّح على وجوه الناس قائلا:
عفوتُ عن الأعداء طرًّا لوجه من = نفاهم لغيري سرمدا لستُ أدفعُ
عفوتُ لوجه الله مع صَفْو كَلْكَلي….
فقلبه صافٍ عن أمراض القلوب من الحسد والحقد والتشفِّي، فجازاه الله أن قابل كل تلك المحن بمنح جليلة.
ما ذا بعد النصر؟
بعد جهادٍ دام ما يقربُ ثماني سنوات في أيدي قوم غلظت قلوبهم وتوحَّشت طباعهم، خرج شيخنا منتصرا انتصارا بيِّنا ولم يُصبه داءُ الافتخار والزَّهو، بل ندبَ نفسه لشكر ربه في نعمه التي أوتيَها من هذا السفر، ولنيته الحسنة وقصده انتفاع الناس طلب منهم أن يقوموا معه بواجب الشكر لهذه الآلاء من المُنعم:
شكرُ إلهي حانَ في تُرابي = بعد جميلِ الصبر في اغترابي
نويتُ شكرك في ذا اليوم يا صمدي = يا اللهُ ذا العَين قبل الراء والشين
ثم إن وظيفة المريد في هذا اليوم تتلخص في: تجديد الشكر والعبادة والقِرى.