معهد دار الأرقم بفاس توري: التاريخ والهدف:
أبو طه محمد بن علي غي
المعهد الإسلامي في فاس توري معهد أصيل وعريق , أسسه جد الشيخ عبد العزيز توري المسمى ب ” شئث توري ” في قرية مدينة عائشة ” مرن أست ” ثم انتقل من هذه القرية وأسس قرية أخرى سماها فاس تورى بين قريتَيْ ” Niakhene” و “Mbayene” وتعرف هذه القرية بفاس كُمَكْ .
وفي سنة 1894م ، وقال آخرون سنة 1895م، هاجر الشيخ شئث تورى من فاس كمك إلى ” Mbancoume” واد يقع بين دار المعطي ودار المنان , وأسس هنالك قرية سماها أيضا فاس تورى ، وهي الآن مقر معهد دار الأرقم بفاس تورى، وتلك هي مسقط رأس الجد الفاضل محمد الهادي توري في أيام تأسيسها, كما أخبر بذلك نجله الشيخ عبد العزيز توري حفظه الله ورعاه.
لقد تعلم الشيخ محمد الهادي توري على والده الشيخ شئث توري أكثر العلوم الإسلامية بعد حفظ القرآن الكريم, ثم أمره بالانتقال إلى تواون لإتمام دراسته عند الشيخ الحاج مالك سه رحمه الله، ولم يقض عنده إلا سنوات قليلة حتى أنهى جميع ما كان يُتعلم هناك من علوم في تلك المدرسة التواونية، وكان الشيخ الهادي آنذاك يود تعلم علوم الحساب والرياضيات والفلك، فطلب من شيخه الحاج مالك سه الإذن في السفر إلى موريتانيا أو إلى المغرب لتعلم هذه العلوم, وفي هذه المسألة حدثت حادثة عجيبة وملفتة للانتباه ، سأنقل قصتها لكم من ملف كتبه الشيخ عبد العزيز توري في فبراير 2017م قال الشيخ عبد العزيز: ” حكى علي والدي بعضها مشافهة، وعشت أنا كاتب هذه السطور البعض الآخر معاينة ، وأشهد الله أنها قد حصلت، وهي أن الشيخ الهادي لما طلب من شيخه شيخنا الحاج مالك سه رحمه الله الإذن في السفر لتعلم علوم الحساب والرياضيات وعلم الهيئة ، لم يأذن له الشيخ الحاج مالك بهذا السفر، وإنما طلب منه أن يبقى في المدرسة لينظر ماذا يفعل الله له في هذا الأمر، وحكى لي والدي مشافهة أنه فيما بعد صار يحسن هذه العلوم ويتقنها إتقانا جيدا، دون أن يتلقى ولو درسا واحدا منها من أي شخص، هذا ما حكاه علي بمناسبة تعليمه إياي هذه العلوم حتى وصلنا إلى باب أتى فيه الكتاب بما لم يُقنعه ولم يكن على المستوى الكافي، فأعطاني في الأيام التالية درسا أوضح فيه هذه المسائل بدقة، وسألته عن مصدر هذا الدرس.
وكان كثير الرصد للشمس أوان شروقها وزوالها وغروبها، كثير البحوث, واسع المعرفة في علم الفلك والهيئة، ولم يستعمل التنجيم أو يتعلمه أو يعلمه ، ولقد تعلمت على يديه من هذه العلوم ما مكنني الله به من تأليف عدة مؤلفات في موضوع أوقات الصلاة والقبلة، ومعرفة الوقت عن طريق الظل، وتعيين النجوم التي تستقبل إلى الكعبة المشرفة في أية مدينة في العالم، ومعرفة كيفية حساب التاريخ والوقت والارتفاع الذي إذا كان عليه النجم في تلك المدينة أو القرية فهو متجه إلى الكعبة المشرفة بصفة دقيقة أكثر دقة من البوصلة، وغير ذلك من مواضيع هذا العلم الإسلامي ” انتهى النقل
وكان الشيخ الهادي رحمه الله يستظهر كتاب صحيح البخاري وهو في مدرسة الشيخ الحاج مالك رحمه الله, وكان محبا للسنة ملتزما بها, ويصلي بالقبض وهو طالب في تواون.
ثم بعد وفاة والده الشيخ شئث, وشيخه الحاج مالك سه رحمهما الله, رجع إلى قريته فاس تورى مارّا بمدينة كيبمير، فوسع المعهد الإسلامي في فاس من حيث زيادة المواد الدراسية، ومن حيث ازدياد عدد التلاميذ الدارسين فيه.
وكان يجمع أثناء تدريسه في فاس تورى بين التعلم والتعليم والبحث والتنقيب، وكان كثير الأسفار إلى الحرمين الشريفين حجا وعمرة، يتباحث مع علمائهما في مختلف العلوم فيفيدهم ويستفيد منهم، وهذه حقيقة ثابتة فقد أفادهم واستفاد منهم، وهنالك تعلم علوم القراءات ، وعندما كبر بعض أولاده نابوا عنه في التحفيظ ثم يأخذون منه اللغة العربية والشريعة الإسلامية والفنون العلمية مع كبار الطلبة.
وفي سنة وفاته ” 1979م ” جعل المعهد وقفا لله تعالى, وكلف ابنه الشيخ عبد العزيز توري التدريس فيه, وبايعه في ذلك, وكان قصة المبايعة كالتالي: يقول الشيخ عبد العزيز توري حفظه الله: عندما كان والدي في المستشفى ذهبت إليه لعيادته, ولما دخلت الغرفة, قال رحمه الله: هذا عبد ؟ فقلت: نعم, فقال: وجدتني أتفكر في أمر المعهد بعدي, وأخشى أن تتركه وتسعى لأمور أخرى, ـــــ يقول الشيخ عبد العزيز حفظه الله: وكنت أنوي ذلك بالفعل ـــــ فقلت له: لا, لا يحدث هذا, فقال: أكيد؟ قلت: أكيد, فقال رحمه الله: ضع يدك على يدي وبايعني في ذالك, ففعلت.
وبعد ذلك قام الشيخ عبد العزيز وعمل جاهدا على تطوير المعهد وتحديثه وتنظيمه, فسماه ” دار الأرقم بن أبي الأرقم ” ووضع له هدفا يسعى إليه ونَصَّه: ” إنشاء جيل يستقي كل حياته من الكتاب والسنة ” وقسم المعهد ثلاثة أقسام: قسم التربية وقسم التحفيظ وقسم التعليم تيسيرا للعمل, وقد جاء في خطاب ألقاه في بداية أولى سنة دراسية له بعد رحيل والده الهادي عام 1980م ما نصه: (( ومن هنا أبنائي وبناتي الأعزاء, وزملائي المعلمين, أريد أن أحدد لكم ماهية عملكم, والغاية النهائية التي ترمون إليها وراء الحركات والأعمال التي تقومون بها في المدرسة, حتى تعرفوها جملة وتفصيلا, لكي تستطيعوا القيام بها على أحسن وجه ، إننا اجتمعنا هنا لتكوين جيل قرآني يستقي كل حياته من الكتاب والسنة, وسألخص لكم صفات مثل هذا الجيل في نقاط أربع: أولا: أن يكون مؤمنا بالله موحدا له توحيدا عمليا في الألوهية والربوبية والعبادة ، ثانيا: أن يكون مؤمنا بالرسول الهاشمي سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه, مصدقا لكل جاء به, موحدا له في الإقتداء ، ثالثا: فاهما الإسلام على الوجه الصحيح مطبقا له ، رابعا: فاهما العصر على الوجه الصحيح مؤديا واجبه فيه ، إن واجبنا أيها المعلمون, وأيها الطلبة, هو أن نثقف أنفسنا ونربيها حتى تجتمع فيها هذه الصفات, ونربي الجيل عليها )) انتهى النقل
ولقد سعى الشيخ في تحقيق هذه الغاية هو ومن معه في العمل حتى تميز المعهد الإسلامي دار الأرقم بن أبي الأرقم فاس توري بأمور منها:
ــــ الإلتزام بالكتاب والسنة بغض النظر عن انتماءات ملتحقيه.
ــــ جودة القراءة وسلامتها
ــــ أول معهد قرآني في السنغال يدفع طلابه رسومات شهرية معينة, ويأكلون فيه ولا يتسولون.
ـــــ نشر رواية حفص من طريق الفيل, على قواعد ثابتة في السنغال والدول المجاورة.
ـــــ أول معهد قرآني يستعمل الحاسوبات الآلية والإنترنت في السنغال.
ـــــ يُدرس فيه جميع قراءات القرآن الكريم بأسانيد متصلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل الأمين عن رب العزة والجبروت, جل جلاله وعز كماله .
رحم الله الأسلاف وجعل الجنة مأواهم, وحفظ الشيخ عبد العزيز توري, ووفقه لكل خير, وجعل النجاح حليفه.
اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
خريج دار الأرقم بفاس توري .