لماذا الشاعر الإفريقي خصوصا (المالي) قليل الكتابة في الشعر الحر أو التفعيلة ..؟
الشاعر عبد الله محمد درامي
قبل سنتين خلال مهرجانٍ شعريّ حضرَه رموزُ الثورة الأدبية في جمهورية مالي ما بعد الاستقلال، فاجأنا أحدُ كبار الشعراء-وهو معروف بتحدّيه للمألوف-فاجأنا بقصيدة جميلة من الشعر الحرّ لكنها مع الأسف وعلى عمقِ معانيها لَم تَنلِ القبول المنتظَرَ من جمهورٍ لا يعجبه الانتقال من قافية الى أخرى في القصيدة الواحدة.ويثير اشمئزازَه عدمُ التزام الشاعر بعدد التفعيلات.
المبادرة جاءت من شاعرٍ كبيرٍ تخطّتْ شهرتُه حدودَ الوطن،وبمكانته الأدبيّة المرموقة شَهِد القاصي،وبثِقَل وزْنِه الشعريّ اعترف الداني وعلى الرغم من توفّر التَّوابل التي تجعل شعره حُلوَ المذاق.ضنّ الجمهور بتصفيقات تليق بمقام الشاعر،وحتى لا نخسر التأييد السلفيّ أقول:”التصفيق للنساء”.
عدم تفاعل الجمهور الماليّ في مدينة طوبى مع الشعر المُكاتَب1 في وجهة نظري لا يَرجع إلى تمرّد هذا النمط الشعريّ على المنهج القديم أو إلى الشاعر الدكتور الذي أراد إشعار المتفرّجين بأنّ هناك وافدًا طال وقوفه خلف الباب. لكن السبب يكمن في البيئة والظروف وشخصيّة المتلقِّي.فالمُناخُ الثقافي غير ملائمٍ وتشجيع الانفكاك من القيود الشعريّة محاكاةً لنازك الملائكة ومن على شاكلتها من رموز تلك المرحلة التحرُّريّة لا شكّ نذير انهيارٍ لمشروعنا الكبير.فكل مبادرة من هذا النوع ومن أية جهة كانت فمصيرها التوقّف ولا أقول الفشل. ولم تَلُحْ بعدُ في الأفق إرهاصاتٌ تُنبئ بالقبول ولو ضِمنيا بهذا المنهج الشعريّ الذي حمل الكثيرين من أصحاب البضائع اللغويّة المزجاة على طرْقِ باب الشعر.
فالفئة المستهلِكة للمنتوج الشعريّ في إفريقيا جنوب الصحراء قليلةُ العدد ولا تتلقّى أيّ دعمٍ من جهاتٍ تحسبها معنيّة بالأمر بالدرجة الأولى.أضف إلى ذلك تُهْمةَ العَبثيّة التي توجهها بعض الأُطُرِ الدينيٍة الى المهتمين بالشأن الأدبيّ.فنحن نرى من الخطإ أن نكلف جمهورَ المتابعين غير وُسْعهم في المرحلة الانتقالية التي يعيشها الأدب الإفريقيّ فقد لا يتحمّلون الغموض والرمزيّة وهما سمتان بارزتان في الشعر المُكاتَب. ولقد لفتتْ انتباهي كلمةُ الدكتورأبولاجي عبدالرزاق حيث يقول:من هنا أدعو الأدباء شعراءَ وكتَّابًا أن يجعلوا الأولوِيّة لرضى الجمهور المتلقّي لا لهوى النقّاد المنهزمين نفسيّا أمام الغرب.ولا أطوي هذه الصفحة دون أن أتحف الجمهور بأول قصيدة حرّة أنشدتْها الشاعرة نازك الملائكة والقصيدة معنونة ب”الكوليرا” ومطلعها :
سكَنَ الليل أصْغِي إلى وقْع صدى الأنّاة
في عمق الظُلمة تحت الصمتِ على الأموات
1/المُكاتَب: هو العبد الذي يتفق مع سيده على دفع مبلغ من المال مقابل عتق رقبته. والمقصود هنا هو أن الشعر المُدَّعي للحرية لم يخرج من حكم المكاتب.