
عن ذكريات الطفولة وموقف السعودية في دعم وتطوير السنغال ..!
أ. محمد لوح
تزورني الذكريات التي مرت على حياتي أيام الصبا ، وتأتيني أحيانا بلمسات الخير من منامي، وأحيانا أتحدث عنها مع الذين عاشوها معي أيام كنا مع جدنا العزيز الشيخ مختار، حيث كنا نجلس في حضرته يوميا كأننا مستشاروه، لكن كأطفال صغار نُكدر صفو جلسته مع زواره بتدخلاتنا الصبيانية وتشويشاتنا المتكررة أثناء حديثه معهم، لكن سرعان مايدعونا والدنا أو غيره ليبعدنا عن الجد قليلا حتى نريحه فيكمل الحديث مع ضيوفه. كان جدنا من كبير وجهاء مدينة تييس آنذاك، وكان عمداء مدينة تييس يعتمدون عليه كثيرا فيما يخص توزيع المساعدات المعيشية ، من (أرز وزيت وطحين ، وقمح ولبن وتمور…) وغيرها من المواد الغذائية التي يحتاج إليها المواطنون في حينا الكبير (مدينة فال)، حيث يتردد المواطنون على بيت جدي كل يوم لاستلام تلك المواد الغذائية إذا وصلت من الحكومة.
نحن في عام 1970ـ 1974م في هذه السنوات بلغنا تسعا من الأعوام في عمرنا، ندرس في المدرسة القرآنية، وفي تلك المدة لاحظنا تدفق المساعدات على بيت جدنا لتوزيعها على جميع أهالي الحي، فيقال لنا: الأرز يأتي من أمريكا؛ الطحين يأتي من اليابان، والزيت من فرنسا، والتمور من السعودية، فتوزع هذه المواد كلها على الناس بالتساوي، أما التمور التي تأتي من المملكة العربية السعودية فتخلق بعض المشاكل في التوزيع، لأن كل واحد من أهل الحي يقول: “لو أعطيتمونا جزءا من التمور لنتبرك بها في أكلها لأنها تأتي من مكة، وتصح مرضانا إن شاء الله”، ولاحظنا الزحام والتدافع بين الناس في طلب تمور مكة، باختلاف بقية المواد الأخرى، ونحن بدورنا نسعى إلى الحصول تمور مكة مهما كلفنا هذا الأمر، ونحتفظ بها زمنا طويلا (للتبرك بها لأنها من مكة)، ولا نعطيها أبدا هدية للآخر، نرفض رفضا باتا تقاسمها مع آخرين (أمر غريب)، وشهدنا كثيرا في بيت جدنا إذا جاء ضيوف إليه، يخرج شيئا من تمور مكة فيقول لهم: “كلوا من هذه التمور لأنها من مكة، تبركوا بها” ، كلمة سمعناها كثيرا من جدنا. والصحيح في هذا الزمن لم تكن التمور في متناول الجميع، بل كانت المملكة تساعد السنغال في رفع مستواها المعيشي والغذائي، وهو أمر لا بد من الحديث عنه في مثل هذه المواقف التي عشتها أيام كنت صغيرا.
في 1989 ـ 1991، عشنا مع الحكومة السنغالية مشاريع ضخمة لوضع لبنات البنى التحتية في العاصمة دكار من (الشوارع الكبيرة، والقناطرة، والفنادق)، استعدادا للقمة الإسلامية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فنسمع “فندق الملك فهد بين عبد العزيز”، الذي يعتبر في التسعينيات المكان الوحيد الذي تعقد فيه جميع المؤتمرات الإقليمية والدولية في غرب أفريقيا.
أما 2000 ـ 2006م فترة أيضا تَخْلُدُ في ذكرياتنا، كثرت فيها المشاريع الكبرى من شوارع ذات الممرات الأربعة، والقناطرة المتميزة، والفنادق على طول ساحل الأطلنطي، زد على ذلك تكوين البنية التحتية في الحصول على الطاقة الكافية، استعدادا للقمة الإسلامية الثانية لمنظمة العالم الإسلامي في دكار. وكل من يعرف أو يسمع وكالة (ANOCI) الوكالة الوطنية لتنظيم المؤتمر الإسلامي، التي كان يرأسها ابن الرئيس عبد الله واد ، يعرف كم من أدوار رئيسية لعبتها المملكة العربية السعودية لتطوير العاصمة السنغالية دكار في مجالات كثيرة.
كم سمعنا أكثر من مرة مساعدات إغاثية من السعودية زمن الفيضانات التي ضربت السنغال في تلك الحقبة ووقفت المملكة العربية السعودية بجوارنا بتوفير الغذاء والأدوية والأغشية والخيمات، إلى جانب وجود القوافل الطبية لصالح المتضررين من تلك الكوارث العويصة
منذ الصغر وحتى اليوم تفحمنا المملكة بذكريات تحمل في طياتها أواصر المودة والمحبة تجسدها المواقف الإيجابية من قبل بلاد الحرمين التي أسهمت وتسهم في تنمية بلادنا العزيز، والتي تقدر بمليارات عديدة لا تعد ولا تحصى، كأن السنغال منطقة من منا طق المملكة الغراء . وفي هذا الشهر العظيم ، شهر رمضان الكريم أهدي أسمى تهانينا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وللأمة الإسلامية جميعا.. فشهر رمضان المبارك لا يزال يذكرنا بتمور مكة المباركة
مفتش ومكون في المركز الإقليمي لتكوين منتسبي التربية بتييس السنغال