Articles

عندما يكون المشروع السياسي القويم معيارا لانتخاب الرئيس ..!

بقلم داوود يات

لم تكن المرحلة العمرية ولا الانتماءات العرقية ولا المظاهر البيولوجية معيارا ينتخب به رئيس؛ بل كان المشروع السياسي المعيار الأساسي الذي يُعرضه المترشح أمام الشعب، ويفصّل مكوناته ويفسّر عناصره، ويدافع عنه، ليقنعهم ويكتسب ودّهم ودعمهم، وأصواتهم صبيحة يوم الانتخابات.
وكان الشعب يقتنع ويقبل مشروعا، ويعيب ويرفض مشروعات أخرى بدوافع متعددة؛ قد يكون السبب كون المشروع غير قابل للتنفيذ؛ كأن يكون مشروعا أفلاطونيا مثاليا، يحوم في البرج العاجي، لا يمكن تنفيذه في عالم الملائكة ناهيك عن عالم الإنسان، أو يعود السبب إلى كونه مشروعا براغماتيا منفعيا بحتا، خاليا من الأخلاق والقيم الإنسانية، كما يمكن أن يكون الدافع يرجع إلى كون المشروع تنويميا بدلا من أن يكون تنمية اقتصادية واجتماعية، فيدفنه الشعب مع مرشحه في مزبلة النسيان؛ حيث إن أغلب الشعب يميلون إلى مرشح صاحب مشروع أرسطوي، لا يبرمج إلا ما هو قابل للتنفيذ والتجربة في أرض الواقع.
وأما ما يُتناقل في فضاء الدعاية الانتخابية بأن فلانا ليست له خبرة سياسية، أو مؤهلات علمية، أو أن رئاسة الجمهورية مسؤولية كبيرة، لا يتحمّلها إلا من دخل في مرحلة الشيخوخة، فكل هذا وذاك هراء، لا يبني على أساس متين.
فإذا استنطقنا التاريخ، سنجد أن جل الذين غيّروا مجرى التاريخ، وسجلوا بصمات واضحة في صفحاته، بدأوا هذا التغيير في المرحلة العمرية التي يكون فيها المرء في أوج قوته الجسدية والعقلية والنفسية. فعلى سبيل المثال، فجميع الأنبياء -ما عدا عيسى عليهم الصلاة والسلام- أرسلهم الله إلى قومهم، وهم لم يتجاوزوا سن الأربعين. وحبيبنا محمد – عليه الصلاة والسلام- أرسله الله إلى الناس كافة، وهو في الأربعين من عمره، وعلى الرغم من جاهلية العرب آنذاك لم يرفضوا التسليم له بدافع السن، وحتى الكفار وصفوه بأبشع الصفات؛ مجنون ساحر… ولكن لم يكن السن سبب عنادهم وجحدهم بهذا المشروع التاريخي، الذي غيّر مجرى التاريخ، فأصبحت جزيرة العرب البدائية أبهى حضارة عرفها الإنسان؛ من الناحية الفكرية والمادية.
ولعل سبب اختيار هذا السن -ليكون ملائما على حمل الرسالة الإلهية إلى البشرية- هو طبيعة وخصوصية هذه المرحلة العمرية، الفاصلة بين مرحلة الشاب ومرحلة الشيخوخة، والتي يكون المرء فيها مزيجاً من هاتين المرحلتين؛ حيث يتخلّص تماما من تهور وطيش المراهقة، وتبقى آمال وأمنيات الشباب تحتل أفكاره وأحلامه. كما يستعير من الشيخوخة المسؤليةَ؛ حيث يفكّر في مآل الأمور وتداعياتها، قبل البت في اتخاذ القرار.
وعلى هذا الأساس نرى أن اختيار رئيس في هذه المرحلة أقرب إلى المعقول من اختيار رئيس متقدم في السن، منهار جسديا ونفسيا، مثقل عقليا.

اللهم لا تسلط علينا باختيارنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى