actualite

سليمان بشير يتساءل

كتب – علي انجاي

بعد تلك الضجة التي أثارتها مداخلة قمت بها في وقت سابق؛ لتوجيه العناية صوب تبني تفسير جديد أكثر ملاءمة لواقعنا المعاصر لمصطلحي(المغضوب عليهم)، و(الضالين): ها أنا أعود لفتح الملف مجددا عبر تقديم عدد من التساؤلات إلى أولئك الذين تضايقوا من هذه الدعوة.
معلوم أن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في القرآن الكريم أشار إلى ما يشجع الإنسان على التدبر في القرآن الكريم، محمِّلا إياه أن يغوص في أعماق محيطات القرآن؛ لنبش أسراره؛ لأنه يبطن في داخله كنوز الكون التي لا يصل إليها من يسبح في شواطئه.
فالقران رسالة حي، وهو الله الحي القيوم، إلى أحياء، وهم عباده، فلما كان القرآن ينزل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يتفاعلون مع القرآن في إطار زمانهم ومكانهم، والآن فارقنا هذا الجيل منذ أربعة عشرة قرنا، بعد مسيرة حافلة من الإبداع خاضوها في تفسيره، والاستفادة من كنوزه, فأثْروا في فهم معانيه ومكنوناته، وما زالت هذه التفاسير منبع العلم والحكمة والنور في كل وقت وحين، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو:
هل نبقى متحجرين على هذا الإرث، أم نتفاعل مع الآيات كما اقتضت ظروفنا ومحيطنا الحالي، أو نجتر علوم السلف ؟، فكما قلنا سابقا فالقران رسالة الحي إلى أحياء في قرن الواحد والعشرين، ولم يعد يتكلم مع أصحاب القبور

.
أما أنا كمفكر وفيلسوف فالقران بالنسبة لي مادة خام، وتفسير آية واحدة منه يحتاج إلى ورشات عمل متعددة؛ للحصول على بصيص من نور القرآن، وقد أبديت مفهومي ل(المغضوب عليهم) و(الضالين) في سورة الفاتحة فرشقني رجال الدين بمقالات وتعليقات لاذعة من كل حدب وصوب، فهم جعلوا التدبر والتفكر والتمعن في القرآن حكرا على شيوخ الدين، أما المهندس، والفيلسوف، والمحترفون في بقية الحقول المعرفية فأمامهم خطوط حمراء تحول بينهم وبين الإسهام في تفسيره، والتدبر في معانيه.
إن الأمر في نظري أكثر تعقيدا مما يتصورون، ويمكنني أن أضرب المثال لحالهم بحال الذي يحدق في السماء فالهالة التي تسمح له عدسة عينه برؤيتها من حيث المساٍحة والنور إذا ظن بأنها هي السماء كلها فهو واهم !!.
إن تأويل (المغصوب عليهم) باليهود، و(الضالين) بالنصارى، يؤسس لا محالة في قناعة المسلم البريء بأن المسلمين وحدهم هم من أنعم الله عليهم، وأن الجنة لهم وحدهم، أما غيرهم من يهود ونصارى فنصيبهم هو النار، وهم أهلها، وأصحابها، وهذا يعني فيما يعنيه إقامة الساعة الآن وفي هذه الدنيا.
وفي تقديري أن دائرة(المعضوب عليهم) أوسع نطاقا من ذلك بكثير، إذ كل من عرف منهج الله سبحانه وتعالى، ولم يتخذ شرعته منهاجا؛ بسبب سلطانه، أو جاهه، أو تسويل نفسه له فهو داخل في دائرة المغضوب عليهم كائنا من كان يهوديا، أو نصرانيا، أو مسلما.
ثم إنَّ من ضل عن سواء السبيل، ولم يجهد نفسه في معرفة الصواب والبحث عنه كما اعتاد أن يفعل في أمور دنياه فهو ضال كائنا من كان.
وأنا أتساءل كفيلسوف:
في سورة النساء:(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء: 93، فأفتوني في هذه الآية.
وفي سورة النور نجد ما يسمى بآيات اللعان، حيث إن المرأة في الشهادة الخامسة تدعو على نفسها(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) النور: 09، يعني في اتهامه إياها، فهل هذه المرأة وأخواتها في حال وقعن في الكذب داخلات في دائرة(المغصوب عليهم) أم لا؟، علما بأنهم ليسوا يهود.
والمسلم الذي يتولى يوم الزحف يبوء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير، كما في الآية الكريمة:(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير) الأنفال: 16، فدائرة(المغضوب عليهم) إذا أمعنا النظر في التراث الاسلامي نجدها أوسع بكثير مما نجده في الفتاوى، أو التفاسير المعلبة.
المسلم الذي يتحاكم إلى الطاغوت، وقد أمره الله أن يكفر به فهو ضال يحتاج إلى هداية.
والمسلمة المتحجبة التي تناضل من أجل تحرير المرأة، واستقلاليتها في النفقة، وتحديد سن الزواج المتأخرة، وكثير من الحقوق المصطنعة التي تنخر في جسد الأسرة، وتفككها، وتغرس في المجتمع سلوكياتٍ وثقافاتٍ مضادةً للمجتمع الاسلامي فهذه ضالة تحتاج إلى تصحيح مفاهيمها، والأدهى في أمر هؤلاء الضالين أنهم يصبحون أداة للتضليل بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لإعادة عقلية المجتمع ببرامجهم، ومؤتمراتهم، وتمويلاتهم، ويكدحون في ذلك ليلهم ونهارهم.
فأنا كفيلسوف لا أرى مرتعا أخصب لي من القرآن فالله سبحانه وتعالى لم يفسر القرآن، ولو شاء لفسره ويريحنا من التدبر والتمعن في مفاهيمه كما تريدون منا أن نكف ونكتفي بتفاسير أسلافنا في فهم آية أو معنى، فالله سبحانه وتعالى على خلاف ذلك تماما، فهو يريد منا أن نقرأه مرارا وتكرارا، وكلما غصنا في أعماقه عثرنا على لآلئ غير الذي وجدنا، قال تبارك شأنه:(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، لا لتنقلوا أخبار السلف فقط، فالمهندس، والفلكي، والنجار، وسائق السيارة، كل هؤلاء لهم الحق في التدبر، ومدعوون للتفكر في القرآن بحسب مستوى فكرهم وإمكاناتهم المتاحة مهما كان متواضعا.
فتعامنا مع القرآن تعامل ساذج، فحجم التبرك به يكاد يفوق بمراحل حجم الانتفاع به، فتجد الفقهاء يرشدون إلى الأجر في قراءته بأن الألف في (ألم) بعشر من الأجر، واللام بعشر، والميم بعشر، وهذا أسهل بكثير من شحن جعبتك بالتساؤلات، والتصورات المقتبسة من معاني القرآن الكريم، فنحن نؤمن ونسعى إلى التقدم والتطور في كل نمط من أنماط الحياة، ومناحيها، ونتكيف مع ظروف الحياة زمانا ومكانا، أما تطور المفاهيم للكتاب والسنة فغير مقبول لدى كثير منا، ومعروف أنه كلما طال الزمان كلما ازددنا بعدا عن فهم القرآن، فأرجو أن يكون فقهاء الأمة واسعي الصدر، حتى يعطوا فهمهم لبعض الآيات القرآنية، والخير في النهاية للجميع، ونسأل الله أن يعيذنا من (المغضوب عليهم)، و(الضالين).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. مقال يجب تناوله بقسط من التجرد والموضوعية.
    بعيد عن الانفعال والشنج.

  2. المقال يفتح باباً للحوار حول تفسير يواكب واقعنا وهذا شيء أقدره حقاً. أحببت تساؤلاتك التي تدفعنا للنظر بعمق قبل إطلاق الأحكام.

  3. of course like your website but you have to check the spelling on several of your posts A number of them are rife with spelling issues and I in finding it very troublesome to inform the reality on the other hand I will certainly come back again

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى