دور الانسان في التنمية المستدامة : قراءة في السنة النبوية الشريفة

أ. محمد صو

إن الله سبحانه وتعالى خلق الانسان وأسكنه الأرض واوجد له
فيها ما يقضى له حاجاته المعيشية وهو ما يسمى بالموارد فهذه الموارد منها ما
لا يتجدد اذا استهلك او يكون تجدده بطيئا كالموارد المعدنية ومنها ما يتجدد كالموارد المأخوذة من الغلاف الحيوي والشمس والغلاف الجوي قال
ََََّٰٰتعالى(َو َسخَرلُكم َّمافِي ٱلسماوات َ َوَما ِفي ٱلْأر ِض َجِميًعا ِمنهُ)
لقد ظل الانسان وقتا طويلا يعيش على الأرض باعداد تعبر ضئيلة لايشكل ضغطا على هذه الموارد ولكن في ثلاثة القرون الأخيرة ازدادت وتيرة تزايد اعداد البشر وجاءت الثورة الصناعية والعلمية لتوفر للإنسان وفرة في المواد الاستهلاكية ولكن تزيد في الوقت نفسه وتيرة استغلال الموارد الطبيعية وبدأ المفكرون في الاهتمام بمدى قدرة موارد الأرض على تلبية حاجات البشر المتزايدة
والطبيعة يالصورة التي خلقها الله عليها تكون قادرة على حفظ التوازن والاستمرار في العطاء ان لم يتدخل عامل خارجى عن عملها. والانسان
2
المعاصر وجد امامه تحديان تجاوزهما ضروري لاستمرار تمتع الانسان بنعم الموارد التي أنعمها الله عليه أولهما تحدى التنمية وثانيهما تحدى حفظ المنظومة البيئية الطبيعية
أولا/ التنمية لتنمية لغة: الزيادة، والنماء، والكثرة، والوفرة، والمضاعفة.
و اصطلاحاً عبارة عن التغيير الإرادي الذي يحدث في المجتمع بحيث ينتقل من خلاله من الوضع الحالي الذي هو عليه إلى الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه، بهدف تطوير وتحسين أحوال الناس من خلال استغلال حميع الموارد والطاقات المتاحة
ويعتمد هذا التغيير بشكل أساسي على مشاركة أفراد المجتمع نفسه أي على .الانسان
بعد الحرب العالمية الثانية برز اهتمام كبير بموضوع التنمية وذلك بسبب ما يلى: 1- نمو الضغط من شعوب الدول النامية
2- وزيادة الوعى لدى شعوب الدول المتقدمةوالدول النامية بانسانيتهم المشتركة وبالفرق الحاصل في مستوات المعيشة
وفى البداية كان ينظر الى التنمية كنمو في الاقتصاد الوطنى وهيكله اى ان الاهتمام كان في التنمية الاقتصادية
تحول فى مفهوم التنمية:
ثم حدث تحول في مفهوم التنمية في ثمانينات القرن الماضى وهذا التحول كان في:
1- جعل الانسان محور التنمية 2- ادخال قضية البيئة بقوة في التنمية 3- مراعات حاجات أجيال المستقبل
وهو ما يعرف اليوم بالتنمية المستدامة
3
تعرف التنمية المستدامة بأنها التنمية التي تُلبي احتياجات البشر في الوقت الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها
هذا هو المفهوم الذى توضع برامج التنمية وخططها حسب مقتضياته اليوم وجهود الهيئات الدولية ذات الاختصاص موجهة لهذا الهدف
التنمية وفق هذا المفهوم الجديد ظهر بعد أن اعترفت البشرية بما كسبت يديها في تدمير البيئة. والتنمية بهذا المفهوم تولى اهتماما كبيرا بموضوع إيجاد حد لللاضرار التي يحدثها الانسان في المنظومة البيئية ويظهر ذلك بوضوح في وثيقة اتفاقيات الأمم المتحدة الاطارى في شان التغير المناخ حيث ورد فيها:( الهدف النهائي لهذه الاتفاقية، ولأي صكوك قانونية متصلة بما قد يعتمده مؤتمر الأطراف، هو الوصول، وفقاً لأحكام الاتفاقية ذات الصلة، إلى تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي)
وهذه التنمية دور الانسان محورى فيها لانه مطالب بكف يده عن الافساد في المنظومة البيئية الطبيعية. ومطالب بالقيام بدفع عملية التنمية
والانسان في جميع الاحيان لايستغنى عن التوجيهات الإلهية من الله جل وعلا ومن رسوله صلى الله عليه وسلم وطالما الانسان في اطار هذه التوجيهات سيتمتع بنعم الله عزوجل وتستقيم له الحياة على الأرض واذا حاد عنها تعرض للشقاء كماقالتعالى(فََمِناتََّبَع ُهَداَيفَلاَيِضُّلَولاَيْشقَى۝َوَمْنأَْعَر َض َعْنِذْكِري فَإِ َّن لَهُ َم ِعي َشةً َضن ًكا [طه:123-124]،
وفيما يلى توجيهات السنة النبوية الشريفة للإنسان في كف يد الانسان عن الاضرار بالبيئة وفى بناء شخصيته ليضطلع بدوره في عملية التنمية المستدامة
فالحاصل في الاضرار بالبيئة و بالموارد اللازمة للتنمية كله من كسب
يدالانسان كما قال تعالى( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون) لاتتحق التنمية المستدامة ما لم يتم إيقاف هذا الافساد للبيئة

4
اضرار الانسان للبيئة يتمثل في:
1- تعريض الموارد الطبيعية للنضوب كما هو الحال لبعض الموارد المعدنية 2-تعريض الغلاف الحيوى للانقراض
2- احداث خلل في المنظومة الطبيعية يودى الى ضعف قدرة بعض عناصرها في أداء وظيفتها في المنظومة( ثقب اوزون) او يؤدى الى اضطراب ( التغير المناخى)
لقد أصبحت حياة الانسان مهددة بالمخاطر بسبب هذه الاضرار
التوجيهات النبوية في كف يد الافساد للبيئة:
اهم عناصر البيئة الطبيعية هي الغلاف الحيوى والغلاف الجوى والغلاف المائى والغلاف الصخرى
وفى حماية هذه العناصر عموما نجد الحديث الشريف التالى: عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مسندا
فهذا الحديث قاعدة عظيمة تنبثق منها قواعد فرعية قعدها الأصوليون , العمل بمقتضاها يحمى جيل الانسان الحالي من خطر نفسه على نفسه ومن خطره على البيئة والموارد لاجيال المستقبل
فالعبارة الأولى من هذا الحديث( لاضرر) امر بإزالة الضرر الحاصل بقصد ابتداء او بدون قصد ومن هنا استنبط منها الاصوليون قاعدة فقهية وهى( الضرر يزال)
فمقتضى هذه القاعدة هوما يسعى اليه المجتمع الدولى وجماعات حماية البيئةاليوم في موضوع حماية البيئة حيث أن التوجه العالمى اليوم هو:
1- الحد من الغازات المنبعثة من المصانع والمحركات التي تضر بالبيئة وهو ما يسعى اليه المجتمع الدولى والجماعات البيئية اليوم فالدول الموقعة في اتفاقيات
5
الأمم المتحدة الاطارية في شان التغير المناخى مطالبة بالزام مصانها بالحد ان امكن او التقليل من انبعاثات الغازات الضارة من مصانعها فعلى سبيل المثال التلويث البيئى من الأسباب التي تحول دون تشغيل السنغال محطة توليد الكهرباء بالفحم الحجرى في “بارنجى”” لانها ملوثة للبيئة والدولة فى سعى لتحويلها الى محطة توليد كهرباء بالغاز الأقل ضررا ليتماشى ذلك مع سياستها في مجال الطاقة ,
2- التحول في تكنولوجيا الصناعة:فالشركات الكبرى في العالم تسعى الى تحول تكنولوجى في مصانعها للتقليل من الانبعاثات و المجتمع الدولى يضغط عليها لاتجاه نحو هذا المنحى ومن اساليب ضغطه عليها ضريبة الكربون ضريبة الكربون وكل ذلك للتقليل من انبعاث الغازات الضارة
3- تحول في منتجات الشركات من منتجات تشكل مخلفاتها خطرا بيئيا الى منتجات مسالمة للبيئة مثل السيارات الكهربائية وسيارات الهايبردى وثلاجات لاتخرج غاز كلوروفلورو كربون الضار بطبقة اوزون ومواد تغليف غير بلاستيكية
و تسعى الدول الى وضع تشريعات تحد من استخدام الاكياس البلااستيكية لانها تضر بالبيئة وتحد من استخدام سيارات الديزل لانها اكثر تلويثا للجو
4-دعم التوجه العلمى نحو تكنولوجيا الطاقة البديلة المسالمة للبيئة والخروج من الطاقة الاحفورىة المضرة للبيئة
والعبارة الثانية من الحديث( ولاضرار) فيها حماية للجيل الحاضر وللاجيال القادمة حيث تدعو هذه العبارة الى عدم الحاق الضرر بالغير سواء كان هذا الغير مشتركا معك في المكان والزمان ام لا ,
فالتنمية المستدامة بارتباطها الوثيق بالبيئة يعتبر بعد حماية الأجيال القادمة أساسيا فيها
فهذا النهى للاضرار بالغير موجه الى الانسان كفرد وكجماعات ودول , ومعلوم أن التنمية المستدامة في بعدها البيئي تتطلب تعاونا إقليميا ودوليا لان قضايا البيئة عابرة للحدود فالهواء والمياه الجارية على سطح الأرض او المدفونة في باطنها لاتعترف بحدود الدول فما يحدث فيها من ضررفى داخل دولة قد يصل
6
للدول الاخرى فانهار كثيرة في العالم تشترك فيها اكثر من دولة فالغير هنا قد يكون دولة, فتصرفات دول منابع الأنهار يمكن ان تلحق اضرار للتنمية في دول مصبات الأنهار فعبارة لا ضرار في هذا الحديث تمنع هذه الدول من التصرفات الضارة للغير وقد جاءت القواعد القانونية الدولية التي ولدت في ـواخر القرن 20 منسجمة مع ما دعا اليه الإسلام منذ اكثر من 1400 سنة وذلك فيما يخص استخدام الأنهار في غير أغراض الملاحة كالزراعة والصناعة على سبيل المثال وقد منعت استخدام الدول للانهار استخداما يؤدى إلى الإضرار بمصالح الدول الأخرى المشتركة معها في هذه الانهار، لأن الاتجاه السائد في القانون الدولي الآن هو مبدأ الاشتراك المنصف والتوزيع العادل لمياه شبكة الأنهار الدولية في غير شئون الملاحة1.
وفى المادة 7 من اتفاقيةاستخدام المجارى المائية العابرة للحدود ورد النص
التالى: (أن تقوم الدول “باتخاذ آل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن” لدول أخرى تشاطرها مجر ًى مائياً دولياً. والتشديد على الوقاية مهم)2
فهذه العبارة تخاطب الانسان اليوم وتنهاه أن يقدم منفعته الخاصة على منفعة الأجيال القادمة
وهذه احاديث أخرى تحث على حماية الغطاء النباتى الذى يلعب دورا هاما في امتصاص غاز ثانى أكسيد الكربون من الجو وفى توفير مادة الدبال اللازمة لخصوبة التربة الزراعية كما يلعب دورا هاما في وقاية التربة من عمليات التعرية الهوائية والمائية وقد روى أبو داود 🙁 من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار). والحديث له شاهد عند البيهقي،
ففي هذا الحديث نهى عن قطع الشجر ظلما بغير حق
وكان صلى الله عليه وسلم اذا بعث البعوث يوصيهم ومن بين وصاياه لهم(ولا تعقرن شجرا الا شجرا يمنعكم قتالا او يحجز بينكم وبين المشركين) أي أنه حتى في حالة الحرب يحث صلى الله عليه وسلم على حماية النبات مادام فيه سبيل الى ذلك
1 2 بقلم ستيفن سي. ماكفري أستاذ في كلية ماكجورج للحقوق جامعة المحيط الهادئ

7
وفى حديث النهى عن قطع السدرة يوحى اشارة الى تشديد إجراءات الحماية للغطاء النباتى في البيئات التي يكون فيها هشا كما هو الحال في المناطق الجافة وهذا الإيحاء نستنتجه من تسمية السدر لان السدر من نباتات المناطق الجافة فعنصر الإنتاج في البصمة البيئية في هذه المنطق ضعيف وقبل ان يعرف العالم المحميات البيئية خص الحرم المكى بمحمية بيئية حيث قال صلى الله عليه وسلم( لايختلى خلاها ولا يعضد شجرها) فهذا الحديث يقرر منع قطع نباتات الحرم الطبيعية الا اذا كان فيها ضرر
وفى حماية الموارد المائيةجاءت الاحاديث النبوية لتمنع الاسراف
في استعمال المياهمهماكانتوفيرةف َع ْن َعْبِد َّاللَِّه ابن َعْمِرو ْابن ِ االعا ِص رضي الله عنهما(أََّنالنَِّبَّي َصلَّىََّاللََُّْعلَْيِهَوَسلََّمَمَّرِبَسْعٍدَوُهَوَيتََوَّضأُفَقَاَل : َما َهذَا السرف َيا َسْعُد؟قَاَل:أِفي الُو ُضوِء َسَر ٌف؟قَاَل:نََعْم، َوِإْن ُكْن َت َعلَىنَْهٍر َجاٍر).
قال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وكان الشيخ الألباني رحمه الله قد ضعفه في “إرواء الغليل” ثم حسنه في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، وقد ضعف الحديث جماعة من العلماء لأن فيه ابن لهيعة ، لكن ذكر الألباني . رحمه الله أن الحديث من رواية قتيبة بين سعيد عنه وروايته عنه صحيحة
انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة (3292) . فالنهى عن الاسراف في الموارد والاقتصاد فيها تأمين لاجيال المستقبل بأن تحصل عليها وهى مما تسعى اليه التنمية المستدامة
وقدنبه القران الكريم الى إمكانية نضوب مصادر المياه مع ما يتبع ذلك من مظاهر التصحر حيث قال تعالى( أرايتم ان اصبح ماؤكم غورا فمن ياتيكم بماء معين) والعالم اليوم يتجه الى ابتكار أساليب رى أكثر اقتصادا في الماء كالرى بالتنقيط ويبتكر أساليب جديدة في إعادة استعمال المياه المستعملة بعد معالجتها في الزراعة والصناعة فنضوب المياه وندرتها مشكلة بيئية كبيرة اليوم قد تؤجج صراعات وإقليمية بسبب النزاع على مصادر المياه
8
فاذا كانت المياه بهذه الأهمية فالحفاظ عليها يجب أن يكون من أولويات التنمية المستدامة فالحفاظ عليها يكون بأمرين: ترشيد استهلاكها والابتعاد عن تلويثها قال تعالى ( كلوا واشربوا ولاتسرفوا انه لايحب المسرفين) فالآية تقرن بين النهي عن الإسراف في الأكل والإسراف في الشرب ، وشرب الماء هو أكثر الوظائف إفادة للإنسان ، ومع ذلك فإن تبذيره ليس مأذونا فيه3.
وفى مجال النهى عن تلويث المياه جاء الحديث النبوى الشريف الذى رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( اتقوا الملاعن الثلاث، قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يُ ْستَظ ُّل به أو في طريق أو في نقع ماء.) حسنه الألباني .فتلويث هذه الأماكن فيه اذى للناس ومما لاشك فيه هو ان الأذى الذى يحصل بتلويث الأنهار والبحار الذى يمكن ان يصل للمياه الجوفية يحصل به ضرر اكبر فمن هنا يكون النهى عن تلويثها اشد من باب أولى وقد فصل الفقهاء في كتب الفقه مسائل حماية مصادر المياه تحت مسمى (حريم )حددوا فيها المسافات التي يمنع إقامة فيها ما يؤثر سلبا على المياه او في استعمالها
النفايات والمخلفات: النفايات والمخلفات التي تنتج من أنشطة الانسان المختلفة منها
مايلحق الضرر بالبيئة فهى مشكلة بيئية كبيرة اليوم تؤرق صناع القرار وخاصة في المدن فهى مشكلة ان بقيت بدون تنظيفها . والتخلص منها بعد تنظيفها مشكلة اخرى فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل اماطة الأذى عن الطريق اى إزالة ما يؤذى الناس في مرافقهم العامة ومنها النفايات جعل هذا العمل تعبدا وجزءا من الايمان الذى هو القضية الأولى عند المسلمين حيث قال صلى الله عليه وسلم(الايمان بضع وسبعون شعبة اعلاها قول لااله الا الله وادناها اماطة الأذى عن الطريق)رواه البخارى ومسلم وعن أبي ذ ٍر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ُع ِرضت عل َّي
3 حماية الشريعة الإسلامية للبيئة الطبيعية , دراسة فقهية مقارنة’ د هناء فهمى احمد عيسى ص64 عام2018
9
أعما ُل أمتي: ح َسنُها وس ِيئُها، فوجد ُت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجد ُت في مساوئ أعما ِلها النُّخاعة تكون في المسجد لا تُدفَ ُن))؛ مسلم. وتنظيف البيئة من المخلفات في المنظور الاسلامى يبدأ بتنظيف اخلاق الناس أولا من السلوكيات الخاطئة قبل تنظيف الشوارع والأماكن هو قضية تربوية ايمانية أولا وقبل كل شيء فالمجتمعات التي نجحت في تربية أبنائها على المحافظة على النظافة هي انظف شوارعا من غيرها
ثانيا: الحث على الْنشطة التنموية التي تدعم البيئة وتحفظ مصادر الموارد ’ وفى ذلك جاءت احاديث كثيرة منها: 1- احاديث تحث على غرس الأشجار حتى في أخر لحظة من العمر
ويعتبر ذلك صدقة جارية تبقى للإنسان حتى بعد مماته روى الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل) فهذا الحديث يحث على إعادة التشجير التي اتجه اليها العالم لدعم القطاع النباتى فلتجديد القطاع النباتى تضع مختلف دول العالم برامج ومشاريع إعادة التشجير
وفى استعمال هذا الحديث كلمة ( فسيلة) اعجاز علمى o الفَ ِسيلَةُ :النَّخلةُ ال َّصغيرةُ تُق َطع من الأم أَو تُقلع من الأرض فتُغرس o الفَ ِسيلَةُ :جز ٌء من النبات يُف َصل عنه ويُغرس
‏o الجمع:فَ ِسي ٌل،وفسائ ُل
أ َ ْف َس َل ا ل ف َ ِس ي ل َ ة َ : ا ِ ْن ت َ َز َع َه ا ِم ْن أ ُ ِم َه ا َو َغ َر َس َه ا ِف ي َم َك ا ٍن آ َخ َر . وهذايكون في النباتات المعمرة التي تعيش اكثرمن سنة كالاشجار والشجيرات الغرس غالبا الغرس في الغطاء النباتى الطبيعى لايكون في فى النباتات الحولية واكبر اأثر لافساد الانسان للغطاء النباتى في النباتات المعمرة لان تجددها بطئ بينما النباتات الحولية كالاعشاب لها دورة حياة قصيرة تتلاءم مع كميات الامطار ومدتها
10
كأن الحديث يوجه الانسان الى الجانب الأهم في بذل الجهود للحقاظ على الغطاء النباتى
وتجدر الإشارة هنا الى أن الامتدادات الكبرى للمناطق الجافة تقع في العالم الاسلامى من موريتانيا غربا الى صحراء ثار في باكستان مرورابصحارى الشرق الأوسط ولاغرو أن نجداكبر مبادرتين في مجال التشجير في العالم جاءت من العالم الاسلامى وهما مشروع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان بن عبد العزيز ال سعود لاعادة التشجير ( شرق الأوسط الأخضر) وهو اكبر مشروع في هذا المجال حتى الان يهدف الى: 1- زراعة 40مليار شجرة في داخل المملكة العربية السعودية 2- زراعة10 مليار شجرة في دول الشرق الأوسط
والمشروع الثانى هو مشروع الجدار الأخضر الكبير الذى كانت السنغال من الدول التي أتت بمبادرته وهو عبارة عن حزام في الحد الجنوبى للصحراء الكبرى يمتد من السنغال غربا الى جيبوتى شرقا
بسعة 15 كم وطول 7800كم تقوم كل دولة بتشجير ما يوجد منه في داخل أراضيها
والحد الشرقى لهذا الجدار هو السواحل الغربية للبحر الأحمر ومن السواحل الشرقية لهذا البحر يبدأ مشروع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان ال سعود وبتحقيق هذين المشروعين يكون العالم الا سلام قدم للعالم اكبر مساهمة في حماية البيئة في اشد المناطق حاجة اليه
فيا حبذا لو قامت رابطة العالم الاسلامى بتبنى
التسويق للمشروعين من خلال مؤسساتها وعرضهما للعالم كمبادرة إسلامية دولية لحماية البيئة ويمكنها الاستعانة بوسائل الاعلام في الدول الإسلامية ليرى العالم اجمع ترجمة تعاليم ديننا الحنيف على ارض الواقع في هذا المجال
11
م
1مشروع الجدار الاخضر الكبير
ثانيا: اعداد الانسان لدفع عملية التنمية المستدامة التنمية المستدامة تتطلب ان يشارك الانسان بدور فعال في كل ما يمس حياته فالإنسان وسيلة وهدف التنمية المستدامة , وفى سبيل اعداده ليكون
12
عنصرا إيجابيا في المجتمع وردت احاديث تحمل توجيهات عظيمة في شان اعداد الانسان روحيا واجتماعية ومهنيا ونقتطف منها ما يلى:
فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :المؤمن
القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان، رواه مسلم هي دعوة الى القوة في الدين والتقوى وفي العبادة وفى العلم والعمل الدنيوى
فالايمان يجعل من الانسان عنصر خير وذا ثبات لاتعصف به المواقف التي يواحهها في حياته القوة كما تكون في الا يمان تكون في العلم فالتنمية المستدامة في حاجة الى العنصر الانسانى المدرب تدريبا عاليا لقيادة ودفع عملية التنمية وقى هذا الحديث دعوة الى مبدا هام في توجيه الانسان في الخيارات المتاحة امامه ( احرص على ما ينفعك)انها دعوة الى ترشيد الجهود والانفاق والوقت وفى كل تصرفات الانسان فالانسان في حاجة الى تنظيم حياته وإن من أكبر معوقات التنمية ما يقتطعه ما لا ينفع من الأموال والاوقات والجهود ومن أقوال الشافعي رحمه الله : (( إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل)). وفى قوله صلى الله عليه وسلم ( واستعن بالله ولاتعجز)توجيه وجيه امام التحديات التي تواجه الانسان في حياته بما فيها تحديات التنمية المستدامة فالحديث يدعوه الى الاستعانة بالله وعدم الاغترار بقوته اوعلمه كما يدعوه الى الثبات ومحاولة الحصول على الحلول للمشكلات وعدم الاستسلام للصعوبات ثم ان هذا الحديث يوجه الانسان الى الطريقة الصحيحة للتعامل مع الماضى بحيث يجب ان يكون باخذ العبرة لكى لا تتكرر الأخطاء مستقبلا وأما إذا كان العودة إلى الوراء من أجل تكرار الحزن وتجديد الندم وقول ليت، ولو فهذا ما يحذر منه الحديث لان التعامل مع الاحداث بهذه الطريقةيحول دون الاستفادة من تجارب الماضى في مواجهة المستقبل
13
(وإن أصابك شيء فلا تقل لو أ ِني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل ق َّدر الله وما شاء فعل، فإ َّن لو تفتح عمل الشيطان)
الاحاديث النبوية الشريفة في بنائها لشخصية المسلم ليكون عنصرا فعالا في المجتمع وقادرا على مواجهة تحديات التنمية .تدعوه الى التخلص والحذر من ادواء الخصال السلبية التي اذا استشرت في شخصية الانسان عطلت طاقاته الكامنة
وعن أنس – رضي الله عنه – قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [متفق عليه] الهم :وهو ضيق الصدر الذي سببه ما يظنه المرء ويتوقعه مستقبلا،
الحزن :هو الضيق الذي سببه ما يفكر فيه المرء مما مضى، العجز : هو عدم القدرة على فعل الشئ. وهو أفة قلة التدريب التي تعانى
منها مجتمعات كثيرة اليوم في الدول النامية الكسل : التثاقل عن الفعل مع القدرة عليه هذه الخصلة تجعل خبرة المرء معطلة. قال ابن القيم رحمه الله: ، العجز عدم القدرة على الحيلة النافعة ، والكسل عدم الإرادة لفعلها ، فالعاجز لا يستطيع الحيلة ، والكـسلان لا يريدها” انتهى من “إعلام الموقعين. ووصف ابن القيم هذين الخلقين في ” زاد المعاد ” (358/2) أنهما ” مفتاح كل شر. ” الجبن : هو عدم الشجاعة ، وأن يمتنع الإنسان عن فعل ما ينبغي عليه فعله خوفاً على نفسه. البخل : هو منع ما يجب بذله.
َضلع الدين: أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام: الاعوجاج، يقال: ضلَع – بفتح اللام – يضلع: أي مال، والمراد به هنا ِثقل الدين وشدته، الذي يميل
بصاحبه عن الاستواء. غلبة الرجال: شدة تسلطهم وقهرهم بغير حق تغلباً وجدلاً
14
الخلاصة: التنمية المستدامة مطلب انسانى وإدارة مسئولة للموارد الطبيعية يلعب فيها الانسان دورا هاما , الإسلام قدم للانسية تعاليم وتشريعات كفيلة اذا التزم بها الانسان ان تقوده الى النجاح في تحقيق الرفاهية والخير للجيل الحالي وللاجيال القادمة وتعاليم الإسلام خير وسيلة لاصلاح الانسان وإصلاح اخلاقه وسلوكياته حتى لا يضر ببيئته ويكون عنصرا إيجابيا في دفع عجلة الحضارة الى الامام

مدرس في المعهد الإسلامي العالي بلوغا