خطأ تربوي شائع ..!
كتب – شيخ جاه
من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الكثير من المدرسين، خاصة مدرسو القرآن الكريم، التسرع في الحكم على الطالب بأنه غبي، أو ناقص الذكاء، أو غير مؤهل للنجاح في الامتحان، أو غير موفق لحفظ القران، لمجرد صعوبة عارضة، أو مشكلة بسيطة يواجهها المعلم في علاقته التعليمية مع التلميذ، دون أن يفحص المشكلة، حتى يعرف سببها، ومصدرها، وطرق علاجها، قبل أن يصدر الحكم النهائي الجائر على الطفل، بيد أن الحكم عليه ليس من صلاحيته، وإن كان لا بد له من الحكم، فليحكم على نفسه بأنه عاجز أمام هذا الوضع، أو استنفد كل ما عنده من الطرق، والوسائل، والأساليب، دون جدوى، فقد تكون المشكلة من طرفه، لا من طرف التلميذ.

وقد لا يقف المعلم عند هذا الحد من الجهل، والتقصير، والجمود، بل ربما يتخذ حيال هذه المشكلة قرارا خاطئا، أو موقفا سلبيا يؤثر في مستقبل التلميذ، ويطارده طوال حياته.
فعلى سبيل المثال، قد يعاني التلميذ حديث العهد بالدارسة، صعوبة في تمييز بعض الحروف، أو في نطقها بشكل جيد، أو في حفظ بعض الآيات القرآنية، فيتسرع المعلم دون وعي بإخطار ولي التلميذ أن ولده يعاني من قلة الذكاء، أو أنه “مر العقل” حسب العبارة الشعبية، إن جازت هذه الترجمة.
ومن خلال هذه الكلمة السهلة، والعبارة الجوفاء، يثبط المعلم حماس الوالد، ويضعف رغبته في مستقبل ولده الدارسي، كما يدمر ثقة التلميذ بنفسه، واعتداده بقدراته، قبل أن يصرف همته عن هذا المسكين المظلوم، ويهمله إهمالا شديدا، ليركز جهوده على التلاميذ النجباء، أو ذوي “العقول اللذيذة” حسب التعبير الشعبي المحلي.
وبهذا المعنى تصبح التربية هدما لا بناء، وإفسادا لا إصلاحا، تأكيدا لما يذهب إليه بعض علماء التربية من أن للتربية معنيين: معنى إيجابي يتمثل في تفجير القدرات الكامنة عند التلميذ، عن علم ومهارة، ومعنى سلبي يتمثل في وأد هذه القدرات والاستعدادات الفطرية، بسبب الجهل، أو الكسل.
ولهذا السبب، فمن الضروري أن يلم المعلم بمبادئ علم النفس التربوي، ونظريات التعلم، وطرائق التدريس، ويتدرب على ممارستها وتطبيقها، ليسلم من الوقوع في بعض الأخطاء الفادحة..
وإذا رجعنا إلى ما كنا بصدده، فينبغي للمعلم أن يدرس بدقة ما يعانيه تلميذه من صعوبة التعلم، أو بطيء الحفظ، أو سوء الفهم، حتى يحدد المشكلة جيدا، ويضبط الأسباب ضبطا، ويعرف الحل الناجع، والقرار المناسب، حيث يقرر علماء التربية أن المشكلة التي يواجهها التلميذ أثناء تعلمه قد يكون لها مصادر عدة، وأسباب شتى، فقد يكون سببها -على سبيل المثال- أن الكتاب المدرسي غير مناسب، أو يكون الخط المكتوب على لوحته، أو دفتره خطا رديئا، أو صغير الحجم، كما يمكن أن تعود المشكلة إلى أسلوب المعلم، أو البيئة ، أو المنزل العائلي ، أو علاقته السلبية مع زملائه، أو غير هذا وذاك، من العوامل الخارجية والداخلية.
الأمر الذي يؤكد أن التركيز على مظهر سلوكي معين، والاعتماد الكلي عليه، للحكم على الأشياء يعد شيئا خطرا جدا ، لما يترتب عليه من النتائج السلبية، والعواقب الوخيمة.
يقول الأصوليون: “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”..
وعند تطبيق هذه القاعدة في سياق التربية والتعليم، يطلب من المعلم أن يتصور حالة الطفل بدقة وعمق، ثم لا يحكم عليه بشيء، وإنما يحكم على نفسه هو..