خذوها من السنغال..!
سليمان جودة
أعود مرةً أخرى إلى كتاب «السنغال فى القلب»، الذى سجل فيه الرئيس السنغالى ماكى صال، جانبًا من سيرة حياته، وأصدره بالعربية عن المركز الثقافى للكتاب فى الدار البيضاء!.
أعود إليه، لأنه رغم عدد صفحاته التى لا تتجاوز المائتين، فإن فيها الكثير مما يجب أن نطالعه، والكثير مما يخرج عن نطاق السنغال إلى مجال أى بلد إفريقى آخر يرغب فى حجز موطئ قدم لنفسه بين الأمم!.
ففى الكتاب أفكار مهمة عن قضية الهجرة على سبيل المثال، سواء كانت هجرة داخلية من أقاليم البلد إلى عاصمته، أو كانت من إفريقيا نفسها إلى أوروبا.. ويذكر صاحب الكتاب أنه قبل أن يصبح رئيسًا كان يتجول فى أقاليم بلاده البعيدة عن العاصمة، وأنه اقتنع من خلال جولاته بأنه لا شىء يضبط الهجرة من هذه الأقاليم نحو العاصمة إلا فرص العمل، إذا توافرت فى كل إقليم فى حدوده.. وما عدا ذلك فإن الهجرة تظل تتسرب من كل باب، كلما سددنا أمامها بابًا!.
وأما الهجرة من دول الجنوب إلى الشمال فى اتجاه أوروبا، فهو يذكر أنه التقى المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أثناء زيارة لها إلى العاصمة السنغالية داكار، وأن قضية الهجرة كانت على رأس جدول أعمال زيارتها، وأنه صارحها بأن هذه القضية إذا كانت تؤرق القارة العجوز.. وهى تؤرقها بالفعل.. فلا سبيل إلى التعامل الجاد معها سوى بمعاونة من الأوروبيين فى إتاحة فرص عمل أكثر على أرض القارة السمراء، ولا سبيل سوى التعاون بين القارتين فى صياغة عصرية لقوانين التنقل والحركة والسفر!.
ولكن الذى استوقفنى حقًا أن الرئيس السنغالى كلما تحدث فى كتابه عن التعليم تكلم عن التربية، وهو يقصد التعليم، أو يقصدهما معًا طبعًا.. فكأن الوزارة المعنية عنده بهذا الملف اسمها وزارة التربية والتعليم، ولكنه يرى التربية سابقة على التعليم فى كل أحوالها.. أو كأنه يذكر الكلمة الأولى من اسم الوزارة ويركز عليها أكثر، مفترضًا أن القارئ سيدرك بالتأكيد أنه لا مجال للفصل بين الكلمتين فى أى عملية تعليمية ناجحة.. أو كأنه يريد أن يقول إنه لا سبيل إلى تخريج طالب متعلم جيدًا، ما لم تكن التربية قد اقترنت فى حياته الدراسية بالتعليم فى ذات الوقت، لأن التعليم إذا كان يعمل على عقل الطالب، فالتربية تعمل على بناء شخصيته المتكاملة كإنسان!.
كل ما أتمناه أن تكون هذه المعانى مستقرة فى داخل عقل الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، وأن يكون على يقين من أن التربية سابقة على التعليم، أو متوازية معه على الأقل، لا تالية له أو غائبة عنه، وألا ينسى أنه يجلس على كرسى طه حسين.