
(جوماي – سونكو) الصبرالاستراتيجي:قراءة في استعجال النتائج وضعف الذاكرة السياسية
بقلم عبد الأحد الكجوري
في خضم التحول السياسي الذي تعيشه السنغال، ومع بداية انطلاقة الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس باسيرو جوماي ورفيقه الحالم الثائر عثمان سونكو، برزت على السطح أصوات التململ والتوجس، وتصدّرت المشهد موجة من الاستعجال الشعبي المعبّر، أحيانًا عن قلق مشروع، وأحيانًا عن نفاد صبر يفتقر إلى العمق التحليلي. وكأن عجلة الدولة آلة يمكن تسريعها فقط بإرادة الجماهير، متناسين أن الدولة كيان مركب، لا يستجيب للشعارات وحدها، ولا يتحرك بالإرادة السياسية المجردة ما لم تُرافقها شروط موضوعية وإصلاحات بنيوية.
إن من أخطر التحديات التي تواجه الحكومات في مراحل التحول التاريخي هو سوء التقدير الشعبي لطبيعة الدولة، واعتقاد البعض أن الوعود الانتخابية هي برامج تنفيذ فوري، وليست رؤى مرحلية تتطلب تفكيك الإرث، وإعادة بناء المؤسسات، وضبط الأولويات وسط تركة من التعقيدات السياسية، والاقتصادية، والإدارية المتراكمة عبر عقود. وهنا تكمن خطورة منطق “النتائج الفورية”؛ هذا المنطق الذي يغفل عن سنن التغيير ويعجز عن رؤية الصورة الكاملة.
ولنا في المدرسة النبوية أسوة بالغة في عمق النظر وبعد الصبر. دعوة بدأت سرًا، ثم أعلنت في وجه الخصومة والقهر، ثم صبرت على الأذى والهجرة والحرمان. لم يكن ذلك تأجيلًا للنصر، بل إعدادًا له. تمحيصٌ للصف، وتثبيتٌ للقناعة، واختبارٌ للإرادة. ثم، حين اكتملت الشروط واكتسب المشروع مناعته، نزل الإذن بالتحول، فتتابعت الانتصارات، وأُنجز الفتح، لا بهيستيريا المطالبة، بل بحكمة البناء. تخيّل لو أن الصحابة جزعوا من طول الطريق، أو قايضوا المبدأ بلحظة راحة؟ هل كان التاريخ سيحفظ لهم مجدًا؟
بذات العقلية، نحتاج اليوم أن نُميّز بين الطموح الثوري المشروع والاستعجال السياسي المدمر. نعم، من حق الشعوب أن تُطالب، وأن تُحاسب، وأن تراقب. لكن حين تتحول المطالب إلى معاول هدم، وتتحوّل الأحلام إلى أوهام فورية، فإننا بذلك لا نُسرّع التغيير، بل نجهضه في المهد. لأن الإصلاح كالبناء: لا يُختزل في الطلاء الخارجي، بل يبدأ من الأساسات، ويحتاج إلى وقت، ومهندسين، وصبر على الغبار والفوضى المؤقتة.
الحكومة الجديدة، ورغم التركة الثقيلة والانتظارات العالية، تُعطي إشارات صادقة على إرادة التغيير وإشراك المواطن في رسم معالم المستقبل. لكنها ستظل في مهب الريح إن لم تجد ظهرًا شعبيًا صبورًا، يدعمها حين تُحسن، ويُقيّمها حين تُخطئ، دون أن ينساق خلف نزوات التشكيك السريع أو خطاب الإحباط المتعجل.
نحن أمام لحظة فاصلة، ليس فقط في تاريخ السلطة، بل في نضج الوعي الجمعي السنغالي. فإما أن نؤسس لثقافة الصبر الاستراتيجي القائم على المتابعة والمحاسبة الذكية، وإما أن نسقط في فخ إعادة إنتاج الفشل القديم، بعبارات جديدة، ووجوه جديدة، لكن باللاوعي ذاته.
متخصص في التاريخ والحضارة
رئيس اللجنة العلمية لحركة “موداب”
I went over this web site and I conceive you have a lot of fantastic info , saved to fav (:.