actualite

“تنويريات”الإعلام الفاسد وآثاره الخطيرة في مجتمعنا السنغالي

عبد القادر عبد الرزاق انجاي

لا يكاد يمر خطب في مجتمعنا إلا و للإعلام فيه دور و أي دور ، و أحدث قضيتين شغلتا الرأي العام السنغالي تكفيان دليلا على ذلك ، و هما قضية “جينب بلدي” و كذبة “كونكاندي “
فلقد دفع الإعلام الفاسد جينب بلدي إلى بؤرة الأضواء لتصبح فريسة سهلة للمتربصين الفساق عندما شاركت في برنامج sen petit galé الذي تنظمه قناة مشهورة في الساحة الإعلامية . هذا البرنامج الذي أصبح وكرا للتمرد على تقاليد المجتمع، و يرمي بفلذات أكبادنا إلى براثن الفسوق و الفاسقين.

كما دفع الإعلام الفاسد “كونكاندي ” الذي زعم أنه سيشق البحر ! إلى الواجهة،
و حظيت ترهاته بتغطية واسعة، و وصل الحال ببعض المتعاونين من الإعلام الفاسد إلى اصطناع كرامة له على الهواء مباشرة و يعلم الجميع أنها كذب سخيف و تواطؤ مكشوف ، عندما أوهموا المشاهدين بقطعه تيار الكهرباء عن منصة البرنامج. و لما حان موعد شق البحر الذي تحدى به السنغاليين بان كذبه و أعلن تأجيله حتى إشعار آخر ، لكنه بقي نجما شهيرا ،و أحاديثه أي أكاذيبه و ترهاته تشغل الرأي العام بأكثر مما تشغله القضايا الدينية و العلمية و الاقتصادية و السياسية الجادة.

الإعلام الفاسد يجعل من التافهين نجوما ، و من الجهال أصحاب كلمة مسموعة ، إذ يفرضهم على المجتمع فرضا بحجز جزء كبير من الظهور الإعلامي لهم.

الإعلام الفاسد يشغل المجتمع بتوافه الأمور عبر برامج الغناء و الرقص و المصارعة و الشعوذة و المسلسلات الوقحة ، و غيرها من برامج التفاهة التي تعج بها قنواتنا دون القضايا المصيرية؛ ليصبح المجتمع تافها تشغله برامج التسلية عن الحوارات الدينية و العلمية و الاقتصادية و السياسية الجادة. و مجتمع كهذا لن يكسب معركة مع محتل خارجي ، أو طاغية من الداخل، إذ ستخسره ساحات التفكير والتنوير، و ميادين المظاهرة و مكاتب الاقتراح و حقول الإنتاج، عندما تحتاج إليه حفلات الغناء و نوادي الرقص و حلبات المصارعة أو مواعيد شق البحر الكنكندية !!.

الإعلام الفاسد يدمر قيمنا فيروج للثقافات المستوردة في الزي و الأفكار و السلوكيات ، و يجعل من المنكر أمرا عاديا حتى يتمكن و يترسخ في المجتمع.

الإعلام الفاسد يروج للسحر و الشعوذة ، و لا تكاد تخلو مجموعة إعلامية من برنامج يستضيف السحرة لبث سمومهم في المجتمع ، أو من إعلانات لهم لتروبج بضاعتهم.

إنه لا يمكن التقدم و النهضة و اليقظة التي نريدها لشعبنا ما لم تستند هذه النهضة على إعلام مسئول ، إذ أنه أصبح من التأثير بحيث لا يمكن التغافل عنه. فلقد غزا كل مكان ، و اقتحم كل بيت ،و ملك على الناس أوقاتهم عنوة. وقد قالوا بحق أن الصحافة هي السلطة الرابعة.

و هنا ألقي باللوم على المحسنين من الأغنياء ، الذين يرون أن غاية الإحسان في حفر بئر أو كفالة يتيم أو فتح مدرسة أو بناء مسجد ،
و يهملون البذل في الإعلام الهادف على خطره العظيم.

فإذا كانت المدرسة تضم عشرات التلاميذ ، و المسجد عشرات المصلين ، فإن الإعلام يخاطب الآلاف أو الملايين ،و يتجاوز صوته و أثره حدود الزمان و المكان ،فهو في حالتي الإصلاح و الإفساد أوسع أفقا و أبعد مدى فلماذا يهمل ؟

خصوصا و أن مدننا تكتظ بمساحد بلا مصلين ، لأن الرياضي فلان اختطفهم من إمام المسجد بمباراته التي تزامن مع فريضة الظهر ، و الكومدي فلان ببرنامجه الذي يزامن العصر ، و المصارع فلان بمواجهته التي تزامن مع المغرب ، و الفنان فلان بالمسلسل الذي يُبث وقت العشاء ، أما الفجر فوقت رقود حافل بأضغاث الأحلام التي تنتظر من الساحر الفلاني في البرنامج الفلاني تفسيرها، مصحوبا بأوامر صدقة الأوراق البيضاء و الشمعة إلى المساكين، لجلب الحظوظ و دفع النحوس -أفيقوا عباد الله-، و لأن الإعلام الفاسد باختصار بث فيهم فيروس الكسل عن جادة الأمور و النشاط في توافهه

أهيب بالمحسنين من الأغنياء أن يولوا للجهاد الإعلامي أهمية قصوى ، و أن يضعوه ضمن سلم اولوياتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫49 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى