Articles

تصريحات الجنرال المتقاعد ومسؤولية مسلمي السنغال في نبذ الخلافات

فاضل غي

كانت مفاجأة للجميع التصريحات الخطيرة التي أدلى بها الجنرال المتقاعد ميسا انجاي في حفل دعي إلى حضوره ،والتي ذكر فيها خطر الإرهاب الذي زعم أنه بات محدقا، ثم حذر الشعب السنغالي ممن سماهم أصحاب اللحى والثياب القصيرة الذين استوردوا إسلاما جديدا مختلفا عن إسلام الأجداد ! ، ولا أريد في هذا المقال أن أطيل الوقفة لدحض هذا الكلام الذي لا يقوله إلا جاهل مركب ،لا يعرف بأن الإسلام واحد لا يتعدد ،وإن اختلفت المفاهيم في بعض المسائل ، وأن الإسلام أصلا مستورد ،جاءنا من مهبط الوحي أرض الحرمين الشريفين من نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ووصل إلينا عن طريق تجار مسلمين كما ورد في كتب المؤرخين ، لكن دعوني أتجاوز كلام الجنرال حول هذا الموضوع إلى شيء يتطلب الاهتمام والتركيز عليه ، وهو نبذ هذه الفجوة المختلقة التي أبعدت الأسرة الصوفية عن أحفادهم وأبنائهم من معتنقي المنهج السلفي ، وبالصراحة هذه الفجوة ماكان ينبغي أن تكون بين دعاة السنغال القدامى الذين أبلوا بلاء حسنا في الدفاع عن عقيدة الإسلام في ظروف صعبة ،وتبنوا التعليم العربي والإسلامي وسط تهديد ووعيد المستعمر الفرنسي الذي دخل بلادنا واحتلها لمحو العقيدة الإسلامية والقضاء على المدارس القرآنية والدينية ، لأنهم وجدوا أن القرآن ركيزة بيوت مشايخنا ودعاتنا في ذلك الوقت.
لكن أولئك الأجداد الأبطال قاوموا المد التنصيري الذي خطط له المستعمر الفرنسي الصليبي ، بعد أن تعلموا كتاب الله وحفظوه ،وأتقنوا لغة القرآن ودرّسوه ، وكانت المواجهات شرسة بينهم وبين المستعمرين ، وهكذا حافظوا على عقيدة الإسلام حتى قدموا الأمانة للأجيال الجديدة
التي تتمثل في القيادات الإسلامية الحديثة ،
ولكن للأسف الشديد ، علاقة الأجداد المؤسسين بالأحفاد الوارثين التي كان من الواجب أن تكون علاقة الامتداد والإستمرارية
ليست كذلك ، وهذا بلا شك لضيق الأفق وفساد التصور من بعض الذين ينتسبون للتيار السلفي ،فبدلا من أن يفهموا أن المشائخ المتصوفين ، عاشوا في زمن مختلف عن زمنهم ،وفي ظروف تتباين كأشد ما يكون التباين مع ظروفهم ،لم يحتكوا بالعالم الإسلامي ،ولم يتواصلوا ،إلا ما ندر ، مع إخوانهم العلماء في العالمين العربي والإسلامي ،لأن المستعمر كان يحول دون ذلك ، وكان من المنتظر أن ينطلق الدعاة المحدثون من حيث انتهى الدعاة القدامى
دون أن تكون هناك قطيعة أو فجوة ، فيندمجوا في هذا المجتمع الصوفي ،لتقويم الانحرافات ،وإضافة تجاربهم إلى تجارب الأجداد لتستقيم الأمور أكثر ..
فلنتذكر جميعا أن نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه كان في المدينة المنورة يتعامل مع اليهود والنصارى ،ويتفتح على غير المسلمين خفيف الظل لين الجانب ، سمحا كريما مما جعل الناس يقبلون على دعوته التي امتازت بالموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن “
فهذا التوتر والملاسنات بين الصوفية والسلفية في السنغال فتح الفرصة أمام بعض المرتزقة من أبناء المدرسة الغربية لتوسيع دائرة الخلافات ومضاعفة التوترات بين الجانبين ، وضرب رؤوس أولئك برؤوس هؤلاء كلما سنحت لهم الفرصة بغية تحقيق أهداف تتضرر بها البلاد وأبناء البلاد ، فالسنغال في الوقت الراهن يحتاج إلى توحيد الصفوف والابتعاد عن المناوشات المذهبية والطائفية حتى يسود الأمن والاستقرار .

والملاحظ أن رئيس البلاد إلى جانب دعوته المعارضة وجمعيات المجتمع المدني والقوى الحية في البلاد للحوار السياسي ، يكرر في كل المناسبات الحاجة الملحة إلى المصالحة الوطنية وتوحيد الصفوف ، وواضح أن وراء هذا التكرار لأهمية المصالحة ووحدة المواطنين ما وراءه ،

وجلي أن بعض الذين ينتمون إلى المؤسسة الطرقية يفرحون ويصفقون لما اتهم الجنرال المتقاعد إخوانهم في صف سلفيي المنهج بالخلايا النائمة ، و أن إسلامهم مستورد وخطير ، يؤيدون هذه التهم الباطلة بدعوى الدفاع عن التصوف والمتصوفة ، وحلهم يجهلون تعاليم أجدادنا الصوفيين وبعيدون عن طريق الاستقامة التي رسموها ، ويقيني أن من يخاصمونهم لأنهم يدعون إلى الكتاب والسنة أقرب بكثير مما كان يدعو إليه مشايخنا الأجلاء من الالتزام والاستقامة والهمة العالية ونشر العلم .
فعلى الطرفين أن يسعيا إلى المصالحة والعمل على توحيد الصفوف لتفويت فرصة زرع العداوة بين أبناء المدرسة الإسلامية على أعداء الدين ، و على أبناء جلدتنا الذين يؤدون أقذر الأدوار ، لخلق الفتنة والاضطرابات في بلداننا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى