actualite

تأبين: ذاكرة الوطن البروفيسور “إيبادير”: المسيرة والمواقف

بقلم: أ .فاضل غي

أخبرتُ البارحة بوفاة الأستاذ إيبادير تيام فقلت إذن هوى ركن ركين متين من أركان المعرفة ، فقدنا برحيله مكتبة ثرية بمختلف أنواع المعار٧ف والدراية، لا أقول فقط في التاريخ الذي تميز فيه ونال أرفع الشهادات ولكن كذلك في شتى العلوم الإنسانية واللغوية.
البروفيسور “إيبا دير ” كان ذاكرة للوطن لما وهبه الله من معرفة لتاريخ البلاد والعباد ، ومما رزقه من موهبة في الكلام ونقل أفكاره إلى المتلقي بسهولة ، وبألفاظ يسيرة لا تكلف فيها ولا تصنع.
والرائع في المسيرة العلمية لفقيدنا “تيام ” أنه بدأ حياته المهنية كمجرد معلم، ثم استمر في تكوين ذاته مع الخوض في معارك نقابية ضد السلطات السنغالية في ذلك الوقت إلى أن سُجن وكان يتلقى دروسه داخل السجن عن طريق رفيقة حياته وشارك في منا قشة الدكتوراه ونجح وهو قيد الاعتقال..ثم خرج وشغل منصب أستاذ للتاريخ في جامعة دكار حتى عينه الرئيس عبدو جوف في بداية ثمانينيات القرن الماضي وزيرا للتربية الوطنية وللتعليم العالي ‘ وتقلد مهامه على رأس الوزارة فوجد وزارة التربية فوضى كلها، وجد أن تعيين المدرسين، وخاصة مدرسي اللغة العربية يتم بوساطات ؛ دون ادنى تكوين وتأهيل ، فشرع رحمه الله في إعادة ترتيب الأمور .. فأوقف هذا الزيف بتنظيم مسابقات وطنية للراغبين في التدريس ، يتم تكوينهم بعد النجاح تكوينا بيداغوجيا مما جعل أمثالي من الذين لا يتملقون أحدا و لايرغبون في وساطات فلان ولا عيان يشاركون في هذه المسابقات ، ويتكونون كغيرهم من مدرسي الفرنسية ليصبحوا موظفين عن جدارة.
وشيء آخر نجح فيه الفقيد العزيز الوزير “إيبادير ” وهو تغبيير أسماء الفرنسيين المستعمرين التي كانت تطلق على مدارسنا وثانوياتنا بأسماء أجدادنا المناضلين الذين قاوموا الإستعمار الفرنسي ومخططاته، فأصبحنا نسمع ثانوية الحاج عمر، ثانوية الشيخ أحمد بامبا، ثانوية الحاج مالك، وثانوية لمام الله ، وثانوية عبد الله وإبراهيم نياس ، وثانوية فاضل امباكي .وغيرهم.
حارب الرشوة إلى أقصى الحدود سواء في الوزارة أو في البرلمان السنغالي حيث كان نائبا حتى أطلق عليه لقب( نائب الشعب )
وقد ساعده في هذا المنحى وهذا السلوك القويم تدينه والتزامه الديني ، إذ يشهد له الجميع بحسن دفاعه للإسلام ورموزه في هذه البلاد ، ولا أدل على ذلك من تخصيصه دعما سنويا للمعاهد الإسلامية لما كان وزيرا للتربية ، وكان يقول: لا أفهم لماذا تحظى المدارس المسيحية بهذا الدعم السنوي ولا يكون هناك نصيب للمدارس الإسلامية؟!
وإذا كان المواد الإسلامية تدرس الآن في جميع المدارس السنغالية الرسمية فالفضل بعد الله يعود للراحل الكبير البرفيسور “إيبا دير ” لأنه هو الذي مهد الطريق قبل وصول الرئيس عبد الله واد الذي نفذ المشروع بعد توليه الحكم .
أما التزامه الديني فأذكر أني رافقته في رحلة الحج في ٢٠٠٦ مع صديقنا سيدي لمين نياس رحمهما الله كضيوف لرلبطة العالم الإسلامي ، فبهرت بحرص البروفيسور تيام على شعائر الله وإخلاصه في أداء الركن العظيم على أكمل وجه، وأحسب أن إعادة كتابة تاريخ السنغال وهو المشروع العملاق الذي ختم به حياته سيظل يذكر فيشكر على الرغم من بعض المآخذ التي لا ينجو منه أي عمل بشري.
رحم الله صاحب المواقف الشجاعة، رجل العلم والمعرفة والإقدام وجعل الفردوس الأعلى مسكنه في الجنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى