المغال : عودة إلى حياة العالم الرباني قاهر الغطرسة الإستعمارية الشيخ الخديم
بقلم د. فاضل غي
تعود الذكرى السنوية .. ذكرى نفي الشيخ أحمد بامبا امباكي ، و قد توافد مئات الآلاف من الأتباع والمحبين من كل فج عميق على المدينة المباركة طوبى يتدفقون جميعا إلى “المغال ” شكرا لله وتخليدا لهذه الذكرى الخالدة ، وليس هناك أدنى شك في أن مناسبة “مغال ” ترمز إلى ظهور الحق على الباطل وثبات الإيمان أمام غطرسة المستعمر الفرنسي بجنوده وآلاتهم العسكرية ، إذ قابل الشيخ الخديم الكفر بالتوحيد ، وغطرسة المستعمر الفرنسي بشجاعة المؤمن الواثق بربه ..ورد على التنصير الذي جاء به الاستعمار بقوله :*من لم يكن ولد له أو والد “
ثم لما يئسوا من زعزعة إيمانه وكسر شجاعته ، اختلقوا اختلاقا وفبركوا وافتروا إفتراء ، ووضعوا الحيل والمكائد ..فاتهموه بالاستعداد للجهاد ..فاعترف بأنه فعلا مجاهد ، لكنه جهاد من نوع آخر :
ومقالكم إني أجاهد صادق *إني لوجه الله جل أجاهد
أجاهد بالعلوم وبالتقى *عبدا خديما والمهيمن شاهد
وفكر المستعمرون ودبروا وخططوا وتآمروا ..ثم عزموا على نفيه خارج السنغال في افريقيا الاستوائية ، بعيدا عن أهله ومحبيه وتلاميذه ..لكنه استقبل القرار الظالم الجائر بإيمانه القوي الذي لا يتزعزع ، إيمانه بالله وبقضائه وقدره ، والتوكل عليه والخشية منه ..بل التسليم المطلق لما يشاء ويختار من غير تواكل أو الاتكال على أحد سواه ..وإنما نوى وهو يسير الى دار غربته في الغابون خدمة حبيبه ومخدومه صلى الله عليه وسلم : خرجت يوم السبت ثامن عشر *لخدمة المختار في شهر صفر
وهناك في الغابون عاش أكثر من سبع سنوات ، موحدا لربه ومادحا للرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه ، مستأنسا بحبه خادما له ..لا أولاد هناك معه ، ولا تلاميذ ولا أتباع، ..لا أهل ، لا أحباب ..لكنه اعتصم بالقرآن الكريم وبالصلاة والمدح ، مخاطبا البحرقائلا :
لي اشهد بكوني عبد من يغفر الذنبا
وكوني خديم المصطفى بحر مايمبا
حتى يئس العدو من زعزعة إيمانه ، وتمسكه بالسنة الغراء ، واضطر إلى ارجاعه لأرض الوطن، فأصبح رمزا للبطولة والشجاعة والإيمان ، وقدوة في رفع كلمة لا إله الا الله ، محمد رسول الله .
هذه هي قصة هذه الذكرى التى يحتفل بها المسلمون في السنغال هذا اليوم وفي كل دولة يوجد فيها سنغاليون ، فلا بد من إعادة قراءة حياة هذا البطل الإسلامي قراءة جديدة ، لتسليط الضوء على نجاحه في قهر العدو المستعمر دون استخدام السلاح أو اللجوء الى الانتقام منه ..
والتأمل في اي تمسكه بتعاليم الله تعالى وسنته رسوله صلى الله عليه وسلم في بيئة تملأه الجاهلية والوثنية ..وزهده في متاع الدنيا
وانصرافه عن ملذات الحياة .. وابتعاده عن كل ما يقبل عليه الناس من الاغراءات المادية المزيفة ، والذي جسده في بيته المشهور :
إن كان عيبي زهد في حطامهمو
فذاك عيب نفيس ليس يخزيني
فهنيئا للسنغال بذكرى نصر حبيب الملايين ورمز البطولة وخديم الرسول أحمد بامبا..وهنيئا للإسلام والمسلمين بهذه المناسبة السنوية العزيزة.