actualite

الصراع المحتدم بين اللغة العربية والفرنسية في المجتمع السنغالي ..!

بوبكر السنوسي
 
إنّ الصّراع شيئٌ طبيعيٌّ بين الكائنات الحيّة ، وحتّى بين المنشّطات البيولوجيّة وبين البيئة والطّبيعة ، لأغراضٍ قد تكون سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة ، ممّا يؤديّ لحالة عدم وجود الأمن والاستقرار النّفسيّ والبيئي ، ويؤثّر سلبا على العلاقات التّي ينبغي أن تأخذ مسار الالتحام والانسجام والتّبادل ، وبالخصوص العلاقات الإنسانيّة التّي تتّسم بالعقلانيّة .
 
واللّغة على حدّ تعبير فلاسفة الأغريق مجرّد آلةٍ للتواصل والتّفاهم ، والاستعانة بها للوصول إلى ما يحسن حياة الفرد ، والمعلومات العلميّة التّي يستفيد منها ، وهي ليست معيارًا لتقييس مدى النّضج المجتمعيّ ، وتحديد مدى  المهارة العقلية التّي وصل إليها ، وهذا المفهوم الإغريقيّ للغة يجعل علاقات أفراد المجتمع البشريّ ، تنبني على التّعاون والتّكاتف ، ويساهم بشكل بنائي في إشباع حاجات البشريّة ، بغضّ النّظر عن أيٍّ اعتبارٍ آخر !
 
وعلى هذا الأساس ، فقد عاشت اللغة العربيّة في بلدنا السّنغالِ ، كلغة للدين وللتواصل ، يتعلّمها أبناء الشعب في مختلف أنحاء البلاد قبل أن نعرف وجودا للمستعمر الغربيّ في وطننا، حتّى أصبحت تصارع لغات الأمّ في أوساطنا الاجتماعيّة ، إضافة إلى الاهتمام الكبير الذي أولتها به الشخصيّات الدّينيّة ، وذلك من أجل حماية المصادر الإسلاميّة ، واعتبار إتقانها عاملا لنشر مبادئ الإسلام وقيمه بين مناطق البلاد ، بل أدّى ذلك إلى اتخاذ أسلوب أسلمة معظمها مهما سبب ذلك المواجهة مع القوى الإقليميّة المسيطرة ، والقوى السّياسيّة الدّاخليّة وإلى الكفاح المسلّح المرير.
 
وفي ظلّ هذه الظّروف فوجئ المجتمع السنغاليّ بالحضور الحقيقي للمستعمر الغربيّ ، والذي يحمل اتّجاها عكسيّا لمسار اتّجاه المجتمع السّنغاليّ ، وحاول ترسيخ مفهوم الشّراكة والأخوّة في عقلية معظم شخصياته السّياسيّة ، وكانت النتيجة الأخيرة وجودَ السّيطرة الكاملة على أراضينا، وفرض اللغة الفرنسية التي هي لغة المستعمر ، واستغلال مواردها الطّبيعية بصورة ظالمة ، أدّت إلى أن نجم عن ذلك تطاحنٌ وبروز أسلوب أبشع ، يتمثّل في تحجير عقولنا وتوصيفها بالرّتانة غير مرنة .
 
ولم يكتف المستعمرون بذلك ، بل حاولوا تحجير تقاليد المواطنين وقيمهم الأخلاقيّة ، وتغيير أساليب حياتهم بمفاهيمَ تخالف اختلافا جذريّا لقيم وعادات المنطقة ، وحاولوا أيضا توصيف مصادرنا التّشريعيّة بأنها مصادر لا تساير العصر المعلوماتيّ ، وأنها تعرقل سير الحضارة الإنسانية التّي في حالة من التطوّر والتّقدّم ، ولم يعرفوا أنّ الإسلام دينٌ حضاريّ متكامل ومرنٌ ، يمكن تطبيق شعائره على اختلاف البيئات والمناطق ، نظرا لكون القرآن الكريم قد عالج في نصوصُه جميع القضايا البشرية ووضعت لها حلولا وفق منظوره الرباني
 
إنّ المواطن السّنغاليّ له حق الممارسة لمعتقداته ، ما لم تجاوز هذه الممارسة حدّ الإطار القانونيّ ، على أساس أنّ البلد بلد ديموقراطيّ ، وحتّى إن خرجت ممارساته حدّه يمكن التعامل معه كإنسان له حقوقه الإنسانيّة ، التّي يتحتّم على كل فرد مراعاتها وعدم الاستخفاف بها.
و في المحصلة علينا أن نعمل لتفعيل العوامل السّلميّة والاستقراريّة بين أفراد مجتمعنا السنغالي ، والسّهر على توفير العدالة بينهم ، بغضّ النّظر عن الاعتبار العقديّ والسّلوكيّ والاجتماعيّ .، وحماية حقوق الجميع بلا استثناء.
 
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى