Articles

الرئيس “صال” يخوض غمار قيادة القارة الأفريقية وسط تحديات جسام.. فماذا في جعبته..؟

أ. صفاء عيد

يكفي أن نذكر، ليبيا، السودان، مالي، أثيوبيا، الصومال، لنعرف حجم التحديات التي تنتظر رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد….
النزاعات والانقلابات العسكرية، الجماعات الإرهابية والتدخلات الأجنبية على رأس هرم تحديات القارة الأفريقية إلى جانب أزمة سد النهضة الإثيوبي الحاضر بقوة كإشكال جدلي ينتظر الرئيس السنغالي ماكي صال الذي تسلم رئاسة دورة الاتحاد الأفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة، خلفا لرئيس الكونغو الديمقراطية.
وتتولى السنغال قيادة الاتحاد الأفريقي لعام 2022، وفق النظام الأساسي للمنظمة القارية التي دأبت على انتخاب رئيس للاتحاد الأفريقي سنويا من بين دول الأقاليم الأفريقية الخمسة على الترتيب.
ويدخل الرئيس السنغالي ماكي سال (61 عاما)، ساحة قيادة أفريقيا وسط تحديات رئيسية كبرى تحملها أجندة هذا العام.
والعام 2021 لم يكن سهلا على القارة الأفريقية، إذ استمرت الصراعات والنزاعات والإرهاب في حصد الأرواح، ولا سيما في الصومال وموزمبيق ونيجيريا وأوغندا ومنطقة الساحل، بجانب انقلابات عسكرية واستمرار جائحة كورونا.
أزمات السلام والأمن الأكثر إلحاحًا في القارة على رأس جدول أعمال الاتحاد الأفريقي حيث أن التصدي للنزاعات والإرهاب وتزايد التغيرات غير الدستورية للحكومات التي تقضي على الجهود التنموية بالقارة الأفريقية إضافة إلى سبل الحفاظ على بقاء الانتقال بتشاد على المسار الصحيح، والمساعدة في استعادة المرحلة الانتقالية في السودان، وتأمين وقف إطلاق النار في إثيوبيا، ووضع استراتيجية لخروج المقاتلين الأجانب من ليبيا، ودعم الحوار في منطقة الساحل، وإصلاح بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والأمن المناخي، تشكل أزمات بحاجة لحلول ناجعة ربما تحتاج لسنوات واستراتيجيات طويلة الأمد لحلها.
أما الانقلابات فقد باتت سمة للقارة الأفريقية، ولم يعد خبر حدوث انقلاب مفاجئا في دول أفريقيا التي شهدت أكثر من 200 انقلابا نجح نصفها تقريبا منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتتصدر القائمة مؤخرا دول غرب أفريقيا التي ينحدر منها رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد ماكي صال، آخرها انقلاب بوركينا فاسو الذي لم تهدأ تبعاته بعد، ليدشن أول حالة انقلاب بالقارة للعام 2022.
وشهد غرب القارة الأفريقية في 8 أشهر فقط تغيّر الحكم بأربع دول وهي مالي، وغينيا كوناكري، وبوركينا فاسو، وتشاد التي تعرض رئيسها للاغتيال، وتولى السلطة قادة عسكريون شباب من مواليد فترة الثمانينيات في ظاهرة جديدة بالقارة الفتية.
لذلك، ستكون قضية الانقلابات بالقارة أحد التحديات التي تنتظر الرئيس السنغالي في قيادته لاتحاد القارة التي تواجه معظم دولها مؤخرا اهتزازات أمنية وسياسية وتدخلات خارجية جراء صراع النفوذ.
وليس موضوع الانقلابات التحدي الأبرز، فهناك الصراعات والنزاعات في منطقة شرق القارة والجماعات الإرهابية التي توغلت في منطقة بحيرات تشاد وتهدد الساحل الأفريقي بأكمله.
ويعد ملفا النزاعات والإرهاب من الملفات التي لا تغيب عن أجندات القادة الأفارقة في كل مناسبة، حتى أنشأ الاتحاد الأفريقي وحدة إسكات الأسلحة لوضع خطة عمل للتتبع السريع ونزع فتيل الصراعات.
ودفعت هذه الرؤية الاتحاد الأفريقي إلى تعزيز دور أجهزته المعنية بالسلم والأمن لتلبية متطلبات منع الصراعات وصنع السلام، مطلقا شعار “إسكات البنادق” لتحقيق أفريقيا خالية من الصراع، وجعل السلام حقيقة واقعة لجميع شعوب القارة وتخليصها من الحروب والصراعات الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان وهو ما لم تفلح فيه المنظمة الأفريقية حتى الآن.
وتعاني معظم دول شرق أفريقيا من الصراعات الداخلية التي كان آخرها أزمة شمال إثيوبيا حيث تدور معارك بين الحكومة المركزية وقوات تحرير تجراي التي تعتبرها السلطات جماعة إرهابية في دولة مقر الاتحاد الأفريقي، وهي أزمة ألقت بظلالها على دول الجوار، بالإضافة للوضع السياسي القاتم في السودان، والصومال الذي لا يزال يتعرض لتهديد حركة الشباب الإرهابية بجانب وضعه السياسي والتقاطعات الداخلية، والاضطرابات في جنوب السودان.
كما أن الجماعات الإرهابية زادت من وتيرة التوغل في منطقة بحيرة تشاد الممتدة من وسط القارة لغربها وتهدد الساحل الأفريقي بأكمله، ولم يعد وجود الإرهابيين مقصورا على منطقة حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر)، وإنما وصل خطرها إلى دول أخرى بغرب وشمال القارة بعد أن كان مستوطنا في الوسط وأجزاء من الشرق.
التحدي الثالث أمام الرئيس صال هو ملف سد النهضة الإثيوبي الذي يشغل إثيوبيا ودولتي المصب السودان ومصر منذ العام 2011.
وخاضت الدول الثلاثة العديد من المفاوضات والجولات المكوكية بجهود محلية وأخرى برعاية قارية دون إحداث أي اختراق لرؤية توافقية بين أديس أبابا من جهة والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى سوى اتفاق المبادئ في الخرطوم 2015.
ولأكثر من 10 سنوات، شكل ملف سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق ويثير مخاوف القاهرة والخرطوم معضلة رئيسية على الأقل لـ3 رؤساء سابقين للاتحاد الأفريقي، وإن كان الرئيس الجنوب أفريقي، سيرال راما فوزا، رئيس الاتحاد الأفريقي الأسبق نجح في عقد وإدارة عدة جولات تفاوضية، قبل أن يتحول الملف إلى خلفه رئيس الكونغو، فيليكس تشيسيكيدي، الذي شهد الملف في عهده جمودا ولم ينجز سوى جلسة تفاوضية واحدة.
وتأتي رئاسة صال للاتحاد الأفريقي وسط أمواج متلاطمة ما بين أزمات وصراعات داخلية، ومواجهة الجماعات الإرهابية من جهة، وتقاطعات دول النفود التي تجعل من القارة ساحة لصراعاتها، من جهة أخرى.
الرئيس صال الذي تولى قيادة السنغال عبر مخاض انتخابي عسير ووسط تحديات داخلية، يتأهب لقيادة الاتحاد الأفريقي الذي يضم في عضويته 54 دولة.
وانطلقت تجربة صال في قيادة بلاده قبل 10 سنوات، بعد فوزه على الرئيس السابق عبد اللاي واد في انتخابات 2012، ليصبح الرئيس الرابع لدولة السنغال، فيما أعيد انتخابه لدورة ثانية عام 2019.
واستطاع خلال رئاسته، خلق علاقات جيدة مع العديد من دول المنطقة وتصدر المشهد السياسي في القارة الأفريقية لعلاقاته بدول وازنة في محيط القارة الأفريقية، بينها الإمارات العربية المتحدة التي زارها 3 مرات، فضلا عن علاقاته مع تركيا وفرنسا ودول أخرى وهو ما سيدعمه في قيادته للاتحاد الأفريقي وتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية.
ويتوقع أيضا أن تكون علاقاته التي صنعها خلال فترة حكمه، خير معين في قيادة للقارة الفتية والتصدي للتحديات الثلاث المتمثلة في النزاعات والإرهاب وسد النهضة الى جانب تحديات أخرى محلية وداخلية.
معطيات تحتاج إلى حنكة سياسية وعلاقات دبلوماسية وحكمة علها تحرك المياه الراكدة في إيجاد الحلول للقضايا الساخنة وأمواجها المتلاطمة التي تعصف القارة الغنية بمواردها وبأزماتها، والفقيرة إلى التنمية والحلول الناجعة والملحة لقضايا الأمن والغذاء والنزاعات ودفع الأطماع والتدخلات الخارجية التي تخلفها لعنة النفط والثروات والجغرافيا والتاريخ لتحولها من نعمة إلى نقمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى