Articles

الذكرى الستون لاستقلال غامبيا – لحظة تأمل جادة

بقلم/ باسيديا درامي

ينبغي أن تكون الذكرى الستون لاستقلال دولتنا الحبيبة، غامبيا، مناسبة وفرصة سانحة لنا – الغامبيين – للوقوف وقفة تأمل وتدبر لتقييم إنجازاتنا، إخفاقاتنا، والتحديات التي تنتظرنا.

اليوم، نستذكر تضحيات آبائنا الذين قادوا نضال الاستقلال، وقد وارَت جثامينهم التراب، ما عدا إم سي تشام، العضو الوحيد الذي مازال على قيد الحياة. كما نستذكر رئيسنا الأول الراحل، السير داودا كيرابا جاوارا، الذي تولى مقاليد السلطة في البلاد في وقتٍ وظروف شكك فيها الكثيرون في قدرة غامبيا على النهوض كدولة قابلة للبقاء. غير أن جاوارا نجح في بناء اللبنات الأولى للدولة الفتية من خلال إنشاء العديد من مؤسساتنا من الصفر بموارد محدودة جداً، وعزز الديمقراطية وسيادة القانون في منطقة مضطربة كان يحكم معظم دولها العسكر. وقد تم الاعتراف بجهوده من قبل منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، التي جعلت من بانجول مقرًا رئيسًا للمركز الإفريقي لحقوق الإنسان.

واجه جاوارا العديد من التحديات، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، بما في ذلك الانقلاب الفاشل في عام 1981 وأزمات اقتصادية خانقة في منتصف الثمانينيات. وربما كان أكبر اختبار له هو انهيار الاتحاد الفيدرالي مع السنغال في عام 1989، ثم الإطاحة به في انقلاب قاده يحيى جامي، الذي حكم البلاد بالنار والحديد لتعزيز قبضته على السلطة.

وعلى الرغم من أن غامبيا قد أحرزت التقدم في بعض المجالات، إلا أن التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا تزال قائمة، حيث لا يزال معظم الغامبيين يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية الأساسية. مؤخرًا، هددت رابطة الخبازين في غامبيا بزيادة أسعار الخبز، لكنها قررت في النهاية التراجع عن هذه الزيادة بشكل مؤقت بعد مناقشات مع الحكومة، مع العلم بأن زيادة الأسعار ستؤثر بشكل سلبي على المستهلكين الذين لا يطيق معظمهم تحمل تكاليف ثلاث وجبات يومياً، بل لا يكادون يجدون ما يسد رمقهم ويطفئ ظمأهم.

لا تزال خدمات الكهرباء والإنترنت باهظة الثمن بالنسبة لمعظم الغامبيين، في حين أن الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية الجيدة لا يزال يمثل تحديًا للمواطن العادي. الفقر في ازدياد، وثقة الجمهور في قدرة الحكومة على تخفيف معاناة الفئات والشرائح المستضعفة في المجتمع تتآكل وسط تقارير متكررة عن الفساد وغياب المساءلة. جدير بالذكر أن التقارير تشير إلى أن الحكومة خصصت أكثر من 100 مليون دالاسي للاحتفال باليوبيل الماسي للاستقلال، مما أثار الضجة بين أفراد الجمهور الذين يرون أن هذه الخطوة تمثل إهداراً للموارد العامة كان من الممكن استثمارها بشكل أفضل في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم أو توفير المركبات للشرطة الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة لمكافحة الجريمة التي باتت تستفحل في البلاد.

على الرغم من وعود الإصلاحات الجوهرية بعد انتخابات 2016، التي شهدت فوز التحالف ضد الرئيس السابق يحيى جامي، لم تقم إدارة بارو بعد بإقرار دستور جديد طالما ترقبه الشعب. كما أن الإصلاحات الانتخابية لا تزال بعيدة المنال مع اقتراب الانتخابات في عام 2026. شبابنا يتجهون بشكل متزايد نحو البحث عن الفرص في الخارج، على الرغم من المخاطر المرتبطة بالرحلة المميتة إلى أوروبا. وقد بدأت الحكومة في معالجة هذه الأزمة من خلال تدابير مثيرة للجدل، حيث أفادت التقارير بأن الحكومة الغامبية قامت بالتفاوض مع السعودية وإسبانيا لإرسال بعض المواطنين إلى تلك الدول للعمل في وظائف متدنية الأجر. وقد أثار ذلك الجدل، حيث يرى الكثيرون أن هؤلاء الأفراد سيكونون عرضة للاستغلال، وأن هذه القرارات تبرز فشل الحكومة في توفير فرص العمل لشبابنا.

من المهم التساؤل عما إذا كنا حقًا مستقلين، بالنظر إلى اعتمادنا المستمر على المعونة الأجنبية لتنفيذ المشاريع ودعم ميزانيتنا. إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق أنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) له تداعيات خطيرة على العديد من الدول النامية، بما في ذلك غامبيا التي تعتمد على هذه المساعدات لتنفيذ بعض مشاريعها، بما فيها البرنامج الانتقالي الذي يتضمن محاكمة الرئيس السابق يحيى جامي وزبانيته المتهمين بالتورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويبرز هذا الوضع عدم موثوقية المساعدات الأجنبية وعدم استدامتها، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة لتحقيق الاعتماد على الذات لتحقيق الاستقلال الحقيقي.

علاوة على ذلك، رغم أن اللغة الإنجليزية يتحدث بها عدد قليل من الغامبيين، إلا أنها تظل لغتنا الرسمية المتداولة في الدوائر الحكومية. وهي اللغة المستخدمة في البرلمان من قبل النواب الذين من المفترض أن يخاطبوا ناخبيهم، ومعظمهم لا يتحدثون الإنجليزية. وهذا الوضع يبرز الحاجة لإعادة النظر في سياساتنا اللغوية لتخليص عقولنا من الاستعمار.

ختاما: إن الاحتفال بالاستقلال ينبغي ألا يقتصر على المهرجانات والفعاليات الفارغة، بل يجب علينا أن نلتفت إلى الوراء لتقييم إخفاقاتنا والعمل على معالجتها ونحن نتطلع إلى المستقبل.

ليبارك الله في غامبيا!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى