A la Une

التعاون السعودي السنغالي: محور جيوسياسي أساسي في العلاقات العربية الأفريقية

بقلم الدكتور باكري صامب

إن المملكة العربية السعودية تتبوأ مكانة مرموقة في العالم، وتشكل قوة خارقة في الشرق الأوسط، وتستفيد من كونها موطنا لأكبر الأماكن المقدسة في الإسلام، مما يعطيها نفوذا واسعا، فضلا عن وزنها الاقتصادي العالمي. ومن جانبها، تُعتبر السنغال بلدا محوريا يبدو على الخريطة قزمًا جغرافيًا، لكنها في الواقع تمثل عملاقا دبلوماسيا مركزيا في المنطقة الإقليمية. وبالنظر إلى طبيعتها، من الممكن أن تعتبر السنغالُ التمديدَ الاجتماعي والثقافي للعالم العربي والإسلامي على الرغم من ارتباطها الجيوسياسي بعلاقات قوية مع كل القوى الكبرى. إن موقع السنغال الاستراتيجي وتقاليدها الديمقراطية وانفتاحها على العالم الخارجي يجعل من عاصمتها ” داكار” معقلاً دبلوماسياً يستضيف مقر معظم المنظمات الدولية والممثلات الدبلوماسية في غرب أفريقيا خاصة.

ويمكن القول إن العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية السنغال، بالنظر إلى مواقفهما المتبادلة، تشكل محوراً جيوسياسياً أساسياً لبناء وتعزيز العلاقات العربية الأفريقية. وتربط البلدين علاقات وطيدة وعريقة يعود تاريخها إلى استقلال السنغال في العام 1960، وتوقيعهما اتفاقية إنشاء العلاقات الدبلوماسية في ستينيات القرن الماضي، وقد تطورت تلك العلاقات بشكل متصاعد في جميع المجالات لغاية أنه تقع العلاقات الثنائية بين البلدين إجانب تلك التي نسجتها داكار مع فرنسا والولايات المتحدة والمغرب. وتكمن أهمية هذه العلاقات إلى حد كبير في الاستثمارات السعودية الضخمة والمساعدات المالية، التي شكلت نقاط تحول حاسمة في تاريخ العلاقات الثنائية. في عام 1973، في خضم أزمة النفط، قدمت المملكة العربية السعودية مساعدات مالية ضخمة إلى السنغال، التي كانت تواجه الجفاف الشديد في ذلك الوقت. وهذه المبادرة القيمة ساهمت في تعزيز العلاقات الاقتصادية التي كانت على مرحل الولادة. وتوسعت التبادلات إلى أن تشمل الآليات المؤسسية مثل البنك الإسلامي للتنمية، الذي تموله الرياض إلى حد كبير، ويدعم عددا لا يحصى من مشاريع البنية الأساسية في السنغال، وخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل. وفي عام 2017 وحده، قدمت المملكة العربية السعودية للسنغال من خلال الصندوق السعودي للتنمية تمويلاً كبيراً لبناء البنية التحتية للطرق في داكار ومنطقة تامباكوندا، بلغ 21.5 مليار فرنك أفريقي. ولكن يبدو أيضًا أن البلدين يرتبطان بتعاون عسكري لا مثيل له، باستثناء التعاون الذي يربط السنغال بفرنسا منذ فترة طويلة. وفي عام 2015، استعدت السنغال لنشر 2100 جندي خلال الصراع في اليمن ضمن تحالف دولي بتنسيق سعودي، مما يمثل لفتة رمزية من التحالف العسكري الذي شهدناه بالفعل خلال حرب الخليج الثانية في عام 1991. ويضاف إلى ذلك الانسجام التام بين البلدين في مختلف القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقضايا العالم الإسلامي بشكل عام، كما تتوافق وجهات النظر في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

لقد كان دور الرؤساء السنغاليين المتعاقبين وكذلك الملوك السعوديين من فيصل إلى الملك سلمان حاسما في تعزيز وتوطيد هذه العلاقة. ولعب ليوبولد سيدار سنغور، أول رئيس سنغالي، دوراً أساسيا عززه عبده جوف، في حين سعى عبد الله واد، في إطار توسيع هذه العلاقات، إلى تنمية علاقات شخصية مع الرياض. إن المستوى المتميز من التعاون الذي تم تحقيقه خلال رئاسة ماكي سال لم يتأثر بانتقال النظام إلى الرئيس الجديد، السيد بشير جوماي فاي، الذي اختار الرياض كأول وجهة له إلى الشرق الأوسط. ولا ننسى افتتاح المتحف الدولي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والحضارة الإسلامية من طرف الرئيس بشير جوماي فاي والذي كان فرصة سانحة للسفير السعودي سعد بن عبد الله النفيعي للتذكير بأن اختيار داكار لاستضافة مثل هذه المؤسسة تدل على الجودة الاستثنائية لعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية والموقع الاستراتيجي للسنغال في أفريقيا والعالم الإسلامي. إن هذا المكانة المعترف بها في السنغال، فضلاً عن نفوذها الدبلوماسي، يجعلها واحدة من البلدان القليلة في العالم الإسلامي التي تتمتع بالقدرة على التحدث إلى جميع البلدان الأخرى وفي جميع الظروف. إذا اعتمدنا على هذه الأسباب فيمكن القول بأن محور داكار-الرياض، إلى جانب العلاقات الثنائية البسيطة، يشكل قاعدة دبلوماسية استراتيجية دائمة. في الوقت الذي تقدم فيه المملكة، من خلال تجسيد رؤيتها لعام 2030، نموذجًا تنمويًا ملهمًا وتطلق السنغال رؤيتها لعام 2050، فإن الأمر بيد صناع القرار السياسي ولكن أيضًا للفاعلين الاقتصاديين في كلا البلدين لدفع ديناميكية جديدة مواتية لزيادة فرص التعاون من أجل المنفعة المتبادلة لأمتين يربطهما التاريخ وتحديات المستقبل والتفاهم المشترك في القضايا
مدير معهد تنمبكتو – المركز الأفريقي لدراسات السلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى