التربية الدينية في السنغال تفقد أحد جنودها
بقلم عبد الأحد لوح
اختطفت المنية الليلة البارحة علَما بارزا من أعلام خدمة الدين والوطن والتنمية في ثغور السلطة السياسية ، ألا وهو الأستاذ الدكتور مصطفى سورانغ، ذلك السيد الذي كان يتحلى بجملة من حميد الصفات: كالاستقامة والكفاءة والصرامة واللطف والهدوء والتواضع والزهد، بل إنه كان يتمتع بشخصية جذابة وقوية تفرض الاحترام والتوقير على كل من يتعامل معه.
ولئن أبلى البروفيسور مصطفى سورانغ بلاء حسنا في المناصب الفنية والقيادية التي تقلدها في جامعة داكار، فإن تعيينه وزيرا للتربية الوطنية بالسنغال في مطلع الألفية الثالثة يبقى إلى الآن أبرز معالم الحقبة التاريخية لفترة ما بعد الاستقلال بالنظر إلى ما ترتب عليه من خيرات عادت على النظام التربوي السنغالي.
والواقع أن السلطات التعليمية في بلادنا لم تكن خلال أربعة عقود من الزمن، تحمل محمل الجد طموحات الشعب السنغالي المسلم إلى تربية إسلامية يتمتع بها أبناؤه في المدارس العمومية؛ بحجة علمانية الدولة؛ فكان الوضع يُحتم تعيين وزير متسلح بقناعات دينية ووطنية قوية على وزن البروفيسور مصطفى سورانغ؛ ليطرح مقاربة أكثر إيجابية ومرونة لمفهوم العلمانية. وبمجيئه إلى الوزارة نرى السلطات الرسمية للمرة الأولى تناقش بجدية إشكالية التربية الإسلامية في المؤسسات التعليمية العمومية. وفي هذا الصدد وبرئاسة الوزير الجديد، انعقد مؤتمر وطني في المركز الوطني للموارد التربوية بدكار، من 16 إلى 20 يوليو 2002م.
وقد خرج المؤتمرون بنتائج وتوصيات حاسمة أهما :
1- زيادة عدد ساعات تعليم اللغة العربية في المدارس الابتدائية الحكومية( من ساعة واحدة أسبوعية لكل فصل إلى ساعتين أسبوعيا لكل فصل)؛
2- إدراج التربية الإسلامية في برامج المرحلة الابتدائية العمومية؛ مما يرفع العدد الكلي لساعات التعليم العربي والإسلامي إلى أربع ساعات أسبوعية لكل فصل؛
3- تعميم التعليم العربي والإسلامي في جميع فصول المرحلة الابتدائية العمومية؛ خلافا للمرحلة السابقة حيث كان التعليم العربي يقتصر على ساعة واحدة لتلامذة الصفوف الواقعة بين الصف الثالث الابتدائي، والصف السادس الابتدائي؛
4- إنشاء مدارس عربية فرنسية في المرحلة الابتدائية العمومية؛ كي تتطور وتتوسع نحو المراحل التالية؛
5- تطوير المدارس القرآنية.
تلك هي الإجراءات التي اتخذها الوزير المصطفى لمصلحة التربية الدينية التي كان يعتبرها ” عاملا يضمن التوازن للمجتمع البشري”، ومن هنا كان الرجل مقتنعا بأن إدراجها في المنهج الوطني بات ” فريضة لا مندوحة عنها بالنظر إلى الطلبات الملحة”.
واليوم ، وبعد ثماني عشرة سنة من هذا الموقف البطولي الذي تبناه الوزير المصطفى، نعتبر أن تطور الخارطة التربوية، وتنوع الخيارات التربوية ، كل ذلك يؤكد وجاهة القرارات التي تبناها ذلك الجندي البطل من جنود المعرفة والتربية.
ولم يكتف السيد الوزير بتلك المبادرة الموفقة، بل ظل يسجل في صفحات التربية الإسلامية ببلادنا لفتات محمودة ؛ فهو الذي أرشد ألمؤسسات التعليمية ذات الصبغة الإسلامية إلى تنظيم صفوفها، والانضباط بالقوانين السارية؛ لضمان تمتعها بالميزانية التي تخصصها الدولة سنويا لدعم المدارس الأهلية. وعلاوة على ذلك فإن الوزير تبنى آليات ذكية لدعم المدارس القرآنية ، والمدارس العربية بتعيين مدرسين فيها تتحمل الدولة رواتبهم الشهرية. ولا شك أن دائرة الاستفادة من هذا الدعم قد توسعت لتشمل كثيرا من البيوتات الدينية والجمعيات الإسلامية.
وبالجملة ، فإن كل الإنجازات التي حققها الوزير المرحوم لا تشِذُّ عن قاعدة الاستقامة والإصلاح التي طبقها منذ عهد بعيد أجداده الكرام الذين يعتبر أبرزهم مؤسس الطريقة المريدية الشيخ أحمد بامبا، الجد المباشر لوالدته.
وبسبب حرصه على التمسك بهذا الميراث الروحي الأصيل ، ظل البروفيسور مصطفى سورانغ نبيل الخلق ، مستقيم السيرة، لم يتزحزح عن مبادئه في كل المحن والابتلاءات التي واجهها طيلة حياته المباركة.
ومن أجل ذلك وغيره، لا نملك أمام صدمة الواقع إلا أن نعزي فيه الشعب السنغالي، والطريقة المريدية، والرئيس عبد الله واد والرئيس ماكي سال، وذلك بعد أن نرفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منه صالح الأعمال، وينزل الرحمة في قبره، ويجعله روضة من رياض الجنة، ويسكنه في الفردوس الأعلى بجوار سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وخديمه الأسنى.