actualite

الاستعمار الفكري وآثاره السلبية في نفوس الشعوب

أ. إبراهيم فال

إن الاستعمار الفكري واحد من ألوان الاستعمار الغربي للشعوب الإفريقية، وهو القناة التي يصل بها إلى استعمارهم في المجال الثقافي والاقتصادي ..
و من نتائج هذا الاستعمار السلبية أن قلدهم الأفارقة في عاداتهم وثقافاتهم وفي طريقة تفكريهم وأسلوبهم المعيشي. ويبدو أن تأثر الأفارقة بالغرب في كل المجالات الفكرية والإجتماعية والسياسة ، موضوع تعرض له كتاب أفارقة وأفادوا فيه أيما إفادة، ولكن الذي يهمنا اليوم اكثر في هذه العجالة أن نسلط الضوء على بعض مظاهر هذا الاستعمار الفكري عند الشعوب الإفريقية، ثم نتطرق إلى إيجاد بعض الحلول العلمية، والتي نرحوا أن تكون مساهمة فعالة في استئصال هذه المشكلة من جذورها .. ومن أوضح مظاهر هذا الاستعمار على الأفارقة أن يستولى عليهم عقدة نفسية جعلتهم يعتبرون اللغة الفرنسية لغة الاستعمار ملمحا من ملامح المثقف الألمعي المتأهل لخوض القضايا الفكرية والثقافية في المنابر العلمية والفكرية المختلفة، والجدير بأن يشغل المناصب الإدارية الرفيعة، لذا، لا يتصور في أفريقيا أن يترشح للرئاسة الجمهورية مثقف باللغة العربية أو يكون على الأقل وزيرا من وزراء الدولة..
بل حسبه أن يبقى مقرئا في المكتب أو إماما في المسجد او مفتيا في المسائل الدينية. وهذه عقدة نفسية قديمة -ولله الحمد- أخذت في التضاءل شيئا فشيئا بفعل الصحوة الفكرية المتنامية في أوساط المثقفين بالعربية وبروزهم اليوم في كل الميادين الفكرية والثقافية والسياسية في العالم .
..كما أن من مظاهر هذا الاستعمار الخطير ضياع اللغات المحلية بسب هيمنة اللغات الاستعمارية على المجتمع الإفريقي، وهذه الهيمنة ما جعلت الإنسان الإفريقي يتخلف كثيرا عن فهم لغته الأم أو الاهتمام بدراستها وضبط قواعدها قولا أو كتابة، ولا يتكلم بها إلا مع خلطها بإحدى اللغات الأجنبية، بل يعتبر التعبير السليم للغة الأم لدى كثير من الناس نوع من التخلف الحضاري، وعلى العكس من ذالك يعد فهم اللغة الأجنبية من ملامح الثقافة والتحضر؛ فتجد من يتفاخر بعدم إتقانه لغته الأم وهو في الوقت نفسه يحاول جاهدا أن لا يخطئ في اللغة الفرنسية أو الإنجليزية قيد التكلم، بل ويظهر دائما على صورة المثقف المتحضر بكلامه المليئ بالمفردات الفرنسية أو الإنجليزية..
ومن ذالك أيضا كراهة اللون الأسود عند العديد من الناس الأفارقة، فتجد واحدا منهم يغمره فرح شديد إذا قيل له: أنت أبيض أو أنت تتصرف كالغربي، بخلاف ما لو قيل له: أنت أسود، كيف سيكون تأثيره عظيما في نفسه. واللون الأسود من بين الألوان التي اختارها الله لبعض بني ءادم ولم يمثل قط عيبا أو نقصا في الإنسان ..وهذا الداء أدى بكثير من نسائنا وبعض رجالنا إلى تغيير بشرتهم تشبها بالإنسان الغربي….
وجملة القول إن الاستعمار الفكري يعد من أخطر أنواع الاستعمار لأنه تمكن به قوات الاحتلال من احتلال الشعوب اقتصاديا، وبه يتخلف الإنسان الإفريقي عقليا ما يجعله ينبهر بالحضارات الغربية أشد الانبهار محتقرا نفسه وقدرته كزنجي، ولم يعد يثق بنفسه أمام الإنسان الغربي..

وعلى هذا، نرى أن السعي لتفادي هذه الشعور النفسي السلبي يحتاج إلى استئصاله من جذوره، ومن هناك يأتي دور العلماء والمربين في تربية النشء على الثقة بالنفس أول نشأتهم وغرس الروح الوطنية في نفوسهم مع توعية الكبار من خلال الخطب والمحاضرات ونحوها من الملتقيات العلمية والفكرية..

رغم أن التأثير الثقافي الكبير للاستعمار الغربي في بلادنا ساهم بشكل مدهش في رسوخ هذا الداء في نفوس الأفارقة مما جعل علاجه أمرا مستعصيا، ولكن التربية وسيلة فعالة لكل تغيير فكري وثقافي..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى