Articles

مقال: ومضة إسلامية في آفاق دولة “غامبيا”

بلال سيرين جوب

بسم الله الرحمن الرحيم
من خصائص الإسلام وجمالياته أنه دين لا يبيد، وقد تصيبه الكبوة والخمود في فترات قد تطول أو تقصر، فلا يلبث أن ينهض ويثور بعد أن يُظن به الظنون.

والإسلام مليء بنماذج حية من هذا المعنى الرائع في تاريخه الطويل، بدأ من أول ظهوره، وفي حرب الردة، والخلافات السياسية بين الصحابة، وكما في نكبة بغداد، وفي معركة عين جالوت وغيرها…

وهنا مكمن الداء العضال للغرب وأذنابهم ومن كان على شاكلتهم، فإنهم يبذلون في حرب الإسلام النفس والنفيس، ويقضون فيها حياتهم، ويلدون لأجلها أفلاذ أكبادهم، حتى إذا كاد البناء يبلغ تمامه انقض على رؤوسهم، وذهبت جهودهم أدراج الرياح!!
“إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون”

وكانت دولة غامبيا بعد العصر الاستعماري في الحضيض من التخلف والانحطاط، لا تكاد ترى فيها قلبا ينبض للإسلام، ولا عينا تشيم بوارق الشرف.
ولا غرو؛ فإن المكارم ضربت عليها الضلالة بغيومها المتراكمة، وإن الخصائص الحميدة أصبحت بعد طول عمرانها قاعا بلقعا، فصارت أثرا بعد عين! على نحو يذكرنا ببيت الشاعر

لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

ومن هنا عادت سنة الإسلام من جديد
فبعد أن طرب الاعداء بنشوة النصر الموهوم، ودقوا طبولهم، وصعروا خدودهم صلفا وغرورا، بدأت ومضة الصحوة الإسلامية تلوح في الآفاق شيئا فشيئا حتى أشرقت بنورها على البقاع والتلاع.

وهذه الصحوة الإسلامية شاملة، وبعيدة المدى، فهي صحوة عقلية عاطفية وجدانية، وصحوة اجتماعية وسياسية واقتصادية، كما أنها لا تختص بقبيل دون قبيل، ولا طائفة دون طائفة.

ومن آثار هذه الصحوة المباركة ما نلمسه في المجالس العلمية والتعبدية من إقبال منقطع النظير من الشباب والشابات الأصلاء، الذين هجروا الملذات، وأقبلوا على الجنة بقلوبهم وعواطفهم، يحدوهم الإيمان والشوق.

ومنها ما نلمح في مدارسنا من الوعي العلمي، والنضج الفكري لدى الطلبة على اختلاف مشاربهم، وقدراتهم الفائقة على التعبير البليغ عما يجيش في خلجاتهم من المشاعر والأحاسيس.

ومنها ما نرى من اختراعات هائلة في مجالات شتى من الناشئة الإسلامية من غير ما علم تعلمته من شيخ أو معلم خبير.

ومنها ما نرى في المجتمع من التطبيق الديني في العادات والمعاملات، فترى الشباب في حلهم وترحالهم مصبوغين بالدين من كل جوانبهم، وترى الشابات بألبستهن الإسلامية في الأماكن العامة والخاصة، متحديات العلمانية الساقطة بكل جرأة وثبات.

كما نلحظ عن كثب الوعي السياسي لدى الناشئة الإسلامية، فلم تعد تنطلي عليها الألاعيب السياسية، ووعودها الجوفاء، بعد أن مكثت ردحا من الزمن تملي عليها بما شاءت ووقتما شاءت.

وأدهى من ذالك كله ما نرى في أوساط الشباب الإسلامي الغامبي من دعوة هائجة إلى تطبيق الإسلام على الحياة، وطرد القوانين والمذاهب العلمانية إلى عقر دارها.

وقد ظهرت هذه الصحوة الإسلامية جلية في الأزمة الدينية التي وقعت قبل قريب ولا تزال سائرة، ألا وهي أزمة الحجاب

فقد التفَّت في عاصمة غامبيا شرائح المجتمع كلها بلافتاتها وصيحاتها الإسلامية، وحشو قلبها الإيمان، لا تريد إلا نصر أخواتها اللاتي نظمهن الدين معها في سلك واحد.

وهذه الصحوة ليست وليدة اليوم، وليست نبتة طفيلية لا يعرف لها غارس ولا ساق.
كلا كلا.. إنما هي شجرة طيبة غرسها سلف صالح وجدود أكرمون، قوم با عوا دنياهم بآخرتهم ، وبذلوا لله نفوسهم ونفائسهم ، وحملوا عبء الدعوة والجهاد على عواتقهم، فعاشوا غرباء بين أشياعهم ومجتمعهم، لا يعرفون للراحة في حياتهم معنى، حتى أذن الله لتلك الغرسة أن تنبت، فآتت أكلها بإذن الله بعد طول انتظار.

نذكر من أولئك الكرام أمثال الشيخ فودي كبا دمبيا والشيخ عمر فوتي والشيخ مجخت كالا والشيخ محمد الأمين درامي والشيخ أحمد بمبا والشيخ حيدر وغيرهم وغيرهم.

وفي العصر الحاضر نذكر امثال الشيخ باندن درامي والشيخ علي بدر فاي والشيخ حطاب بوجا وغيرهم .

وهناك مشايخ كرام على قيد الحياة ورثوا أولئك الجدود على حمل العبء الإصلاحي، وهم كثر ، وكلهم مرضي عليه إن شاء الله، وهيهات ينساهم التاريخ.

وإيجابيات هذه الصحوة الإسلامية وافرة، نذكر منها أنها:

  • تولد أملا حقيقيا لدى الدعاة في عودة الإسلام من جديد.
  • أنها إحباط لمحاولات الأعداء المستميتة محوَ الإسلام من الوجود.
  • أنها نقطة انطلاق إلى نهضة إسلامية هائلة.
  • أنها تميز عرقي وثقافي، وتحد حضاري للغرب.
  • أنها صحوة شاملة واعية يستحيلُ خداعُها، وإن حدث فسرعان ما تثوب إلى رشدها.

بيد أن مما يجب التنويه عليه أن هذه الصحوة ليست ملائكة مقدسة لا تخطئ ولا تكبو.
كلا… فإنها بفطرتها الإنسانية محكوم عليها الزلل، غير أن الأخطاء إن لم تُعالج تطورت فأصبحت وحشا هائجا وأهلكت صاحبها ومن حوله.

ومن سلبياتها التي تتطلب العلاج العاجل ما يلي- وهي طبعا ليست من الكل – :
١- الغرور الديني من بعض شرائحها.
٢- الظاهرية في فهم النصوص الشرعية.
٣- نقصان الحكمة في الدعوة.
٤- عدم وجود عدد كاف من القيادات الواعية.
٥- كثرة الخلافات والمهاترات بين شرائحها.
٦- عدم فقه الخلاف ومراتبه وما يسيغ منه وما لا يسيغ.
٧- التصدر للدعوة قبل التضلع الكافي من العلم الشرعي.
٨ – غياب المؤسسات المستقلة المتمثلة في التنمية والاستثمار والإنتاج.

فلذا أناشد الدعاة والعلماء على أن يهتموا بهذه الصحوة الإسلامية بالتوجيه والإرشاد والتهذيب، وأن يكونوا منها ولها وعليها، يكملون النواقص، ويعالجون المشاكل ، وينمون القدرات، فإن الشجرة إذا نبتت فأهملت أمست ذواية، فصارت أحطابا.

وهذه المقالة غيض من فيض، ولا أدعي لنفسي الكمال، ولا أنزهها عن الخطأ، فأنا لست إلا عبدا رأى شيئا يظنه خيرا فنبه إليه بعد أن استعان بمولاه.

والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص ويوفقنا في القول والعمل، ويرفع لنا دومًا راية الدين، فبه نستجير وهو نعم المولى ونعم النصير .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى