actualite

قضية المنطقة لا قضية مالي: الأمن المشترك في الساحل وغرب أفريقيا

الدكتور باكاري سامب

إن النظرة إلى الأزمة الأمنية المتفاقمة في مالي على أنها شأن داخلي بحت لم تعد تخدم مصالح دول الساحل وغرب أفريقيا، بل هي مقاربة قاصرة تهدد استقرار المنطقة بأسرها. لم يعد الأمر مقتصراً على حدود دولة واحدة، بل تحوّل إلى تحدٍ عابر للأوطان يستدعي تكاتفاً إقليمياً واعتباره “أزمة أمن إقليمي” بامتياز.
يُشكل غياب السيطرة الكاملة على مساحات شاسعة من شمال ووسط مالي ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية والمتطرفة، مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وغيرها. تستغل هذه الجماعات الحدود الهشة لدول الجوار – كـ بوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا – لنشر نفوذها وتنفيذ هجمات وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر. ما يحدث في مالي اليوم يمثل نموذجاً مصغراً لمشاكل المنطقة الأوسع، بما في ذلك الحوكمة الرديئة والصراع على الموارد.
يمكن تلخيص الأبعاد الإقليمية للتهديد الأمني المالي في النقاط التالية: أولاً، انتشار الإرهاب والتطرف، حيث يمثل التهديد الإرهابي الخطر الأبرز. فكل انتكاسة أمنية في مالي تقوي شوكة التنظيمات المتطرفة وتزيد من قدرتها على التمدد نحو الدول الساحلية في غرب أفريقيا، مهددة بذلك دولاً مستقرة نسبياً مثل كوت ديفوار وغانا والسنغال. ثانياً، الجريمة المنظمة العابرة للحدود، إذ تتحول مالي إلى نقطة تقاطع حاسمة لشبكات التهريب الإقليمية والعالمية. يتقاطع نشاط المجموعات الإرهابية مع تجارة المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر، مما يوفر لها مصادر تمويل ضخمة ويعقّد المعضلة الأمنية على جيرانها. ثالثاً، تدفق اللاجئين والنزوح الداخلي، حيث يؤدي انعدام الأمن إلى موجات نزوح ولجوء كبيرة. يضطر عشرات الآلاف من الماليين إلى عبور الحدود، مما يشكل عبئاً ديموغرافياً واقتصادياً وأمنياً على البلدان المضيفة، ويخلق توترات مجتمعية جديدة.
لقد أثبتت التجارب أن المقاربات المنفردة أو الاعتماد الكلي على الشركاء الدوليين قد لا يحقق الاستقرار الدائم. إن اللحظة الراهنة تفرض على دول الساحل وغرب أفريقيا، ممثلة في تكتلاتها، أن تتبنى إستراتيجية أمنية جماعية وفعالة. يجب أن تقوم هذه الإستراتيجية على مكافحة شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل معالجة الجذور العميقة للأزمة، وهي: التهميش، والفقر، وضعف الحوكمة، والصراع على الموارد. إن التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات والتنسيق العسكري الفعال على الحدود المشتركة ليست مجرد خيارات تكميلية، بل هي ضرورة حتمية للحفاظ على الأمن المشترك.
إن أمن باماكو هو جزء لا يتجزأ من أمن أبوجا، داكار، ونيامي. إدراك هذه الحقيقة والعمل بمقتضاها هو الخطوة الأولى نحو تحصين المنطقة من خطر التفتت والانهيار.

المدير المؤسس لمعهد تمبكتو – المركز الأفريقي لدراسات السلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. Excellent breakdown, I like it, nice article. I completely agree with the challenges you described. For our projects we started using Listandsell.us and experts for our service, Americas top classified growing site, well can i ask zou a question regarding zour article?

  2. Excellent breakdown, I like it, nice article. I completely agree with the challenges you described. For our projects we started using Listandsell.us and experts for our service, Americas top classified growing site, well can i ask zou a question regarding zour article?

  3. Excellent breakdown, I like it, nice article. I completely agree with the challenges you described. For our projects we started using Listandsell.us and experts for our service, Americas top classified growing site, well can i ask zou a question regarding zour article?

  4. Somebody necessarily assist to make severely posts I might state. That is the very first time I frequented your website page and to this point? I amazed with the analysis you made to create this actual put up amazing. Wonderful job!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى