في اليوم العالمي للكتاب – الكتاب في حياة صديقي محمد المصطفى سيسي. !
الحاج مود ساخو
في كتابها ” هكذا ربّانا جدّي عليّ الطنطاوي” تؤكّد حفيدة فقيه الأدباء وأديب الفقهاء = الأستاذة عابدة المؤيد العظم، على أنّ العدوى الأولى التي نشرها جدُّها الطنطاوي بين أهله، هي : (حبُّ الكتب) و( احترام الكتاب) !
بالحديث عن حبّ الكتاب واحترامه والهوس به، لستُ بحاجةٍ إلى تنشيط ذاكرتي وتشغيلها، أوالتّنقيب والحفر فيها للعثور على أنموذج أُقدّمُه للجمهور القارئ، بل إنّ ذهني يتبادر مباشرة وبلا تردُّد إلى اسمٍ واحدٍ يفرض نفسه في هذه المناسبة، وهو صديقي الغالي : محمّد المصطفى سيسي. !
من المؤكّد أنّي شغوفٌ جدا بالقراءة عن القراءة والكتب، وعن علاقات العظماء من الأدباء والمفّكرين والقادة والمبدعين بها، وقد وقفتُ في هذا على أسماء كبار، ولكنّ تلك الأسماء الكبار على ضخامة إنتاجاتها وعظمة تأثيرها وقوّة إلهامها، تبقى علاقتُك بها غير حيّة مائة بالمائة، ربّما لأنّ بيئة الاحتكاك بينك وبين هؤلاء هي النّصّ فحسبُ !
أمّا الشّيخ محمّد المصطفى سيسي، فقد عرفتُه واحتككتُ به، وزرتُه مرّاتٍ في مكتبته بمنزله – بكولخ، الأمرُ الّذي يُسوّغ لي أن أجهر بلا مداهنة، أنّي لم أر من بين من عرفتُ في الوسط الثقافي المستعرب، في الجيل الحالي، من يُدانيه في الهوس بالكتاب والذوبان فيه والإنفاق عليه، فالرّجل مُدمنٌ حتّى النّخاع بشمّ رائحة الكتاب، ولمسِه، وتحسُّسه، وترتيبه، والحوار معه، وتراه وهو يلامس الورق وكأنّه يحنّ عليه ويخاف من إلحاق الأذى به. لم أدخل عليه مكتبته إلا وجدتُه ممسكا بالكتاب، وعشرات الكتب تنتشر على الكنبات، أو على أرضية المكتبة، إنّه “دُودة كُتب” بحقّ !
هذا رجلٌ كلُّ اهتماماته تقريبا الكتاب والقراءة … ينفق في سبيل اقتناء الكتب الجيّدة الملايين، ربّما بسبب طبيعة عصرنا المليء بالتّفاهة والملذّات السّخيفة، يعتقد البعض أنّي أُبالغ، كلا، لا أُبالغ يا ناس، ينفق الملايين في شراء الكتب. ! فإن كانت الفتيات والفتيان يتابعون سوق الموضة والاستهلاك الماديّ وينشغلون بها، فها هو شابٌّ شُغله الوحيد ملاحقةُ الطبعات الفاخرة والممتازة من خيرة ما أنتجه العقل البشري من مختلف الثقافات والحضارات، كما قال لي أثناء مُكاتبتنا قبل أيّام، وقد سألتُه ملاطفا وهو في القاهرة – مصر ” تُلاحق الكتب أم هي الّتي تُلاحقك ؟” فأجابني “أُلاحقُها يا حبيبي، أصبحتْ كالمخدّر، أدمنتُ شراءها”!
لذلك عند ما تتنزّه في مكتبته الغنية تُذهلك تلك العناوين المتنوّعة، والمجلّدات الجذّابة، والكتّاب العمالقة، والموسوعات النّادرة، الّتي يبيت هذا الفتى بين أحضانهنّ ! تجد فيها من كُلّ لونٍ معرفيٍّ ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، ممّا يُرغِّبك في البقاء فيها للأبد !
أمّا بعدُ :
ففي اليوم الذي يحتفل فيه العالم بالكتاب، أودُّ أن أُعمل قلمي وأُشهد حملة الأقلام ومُنتجي المعرفة، أنّ الشّيخ مصطفى يُعدّ من القلّة الّتي تحفظ للكتاب مكانته، وتراعي هيبته، وتُقدّره حقّ قدره، ولو أنّ الشّباب جميعا ينتهجون نهجه، لما سمعنا شكوى من هنا وهناك عن ندرة الإقبال على الكتاب الورقيّ، ولما رأينا تلك الدّموع المتألّمة على عزوف الشباب عن القراءة والكتاب !
٢٤ / ٤ / ٢٠٢٤