غينيا بيساو.. وجهة عالمية وخليجية
كتبت: د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
“لا يوجد هناك أهون من تلك الشخصية التي نقلت نفسها من جانب لآخر ليس لإكتشافها خطأ ما كانت عليه بمقدار إدراكها ما ستجنيه من عطايا وأموال لتكتشف في النهاية وضاعة ما هي عليه اليوم، ومن يدرك خبايا سلك المخابرات العامة عموماً سيعلم لما كنا نمنح تلك الثقة العرجاء لذلك النوع من الأشخاص” هذا نص الرسالة التي بعثها ضابط برتغالي إلى أحد رجاله في لشبونة أثناء تولي أنطونيو دي سبينولا الحاكم البرتغالي الحكم في مستعمرة غينيا بيساو بعد أن وقع الإختيارعلى إينوسينسيو كاني قاتل رمز بيساو الأول أميلكار كابرال
غينيا البرتغالية أو غينيابيساو كما يطلق عليها اليوم، واحدة من أكثر الدول الإفريقية إثارة للجدل، فبالرغم من دورها القديم في تحرير أفريقيا من الإستعمار الأوروبي إلا إنها تكاد لا تذكر، ويرتبط تاريخها بمؤسس الحزب الإفريقي لإستقلال غينيا والرأس الأخضر :أميلكار كابرال”، الذي قاد حملات مُسلحة ضد الإستعمار البرتغالي وما كان للحزب الأفريقي أن ينجح لولا الدعم الذي حظي به من هافانا، التي زودت بيساو بخبراء المدفعية وتبعتها الصين الشعبية بالأسلحة وتدريب كوادر الحزب حتى نجح أميلكار في السيطرة على ثلثي البلاد، وقويت شوكة الحزب الإفريقي بعد إجتماعة مع جبهة تحرير موزمبيق “الفريليمو” والحركة الشعبية لتحرير أنغولا “مابالا” وأتفق الثلاثة على تأسيس حزب مشترك لتنسيق النضال من أجل إستقلال المستعمرات البرتغالية في إفريقيا، وهنا أدركت لشبونة خطورة أميلكار كابرال بما يمثلة من قيمة روحية في إفريقيا فما كان منها إلا إختراق الحزب من خلال أحد أهم المحاربين وهو إينوسينسيو كاني الذي نفذ عملية إغتيال أميلكار في يناير1973 ولكن الحزب الإفريقي لم يتوقف بموت مؤسسه وتولى القيادة لويس كابرال الأخ غير الشقيق للراحل أميلكار وأصبح أول رئيس لغينيا بيساو بعد الإستقلال 1974 ولكن سرعان ما أطاح به رئيس الوزراء جواو فييرا في نوفمبر 1980 واصفاً نفسة بأنه هبة الله لغيينا بيساو، وبالرغم من حديث جواو فييرا بأن الإنقلاب جاء لإنقاذ إقتصاد البلاد إلا أن الحقيقة أن التوجسات العرقية التي لازمت جزء من المكونات الوطنية في بيساو لعبت دوراً في الإطاحة بالرئيس لويس كابرال ذو العروق المختلطة أو ما يطلق عليهم (المولاتو) والتي كان يراها رئيس وزرائة المنتمي لعرقية بابيل الأفريقية أنها سبباً كافياً لإزاحتة، إلا أن حكم جواو فييرا بدأ يترنح عندما أقال الرئيس رئيس الأركان إنسمان ماني 1998 فما كان من الأخير إلا إعلان التمرد فدخلت البلاد في حرب أهلية إنتهت بإستسلام قوات الرئيس جواو فييرا الذي لجأ للسفارة البرتغالية ومنها إلى منفاه في لشبونة التي لم يغادرها إلا للعودة مرة أخرى إلى مسقط رأسه بيساو والترشح للرئاسة لعام2005 والتي فاز بها في سابقة وصفت بالخطيرة، وبعد تمكنه من مفاصل الدولة قام بالتخلص من منافسة القوي رئيس أركان الجيش الجنرال باتيستا تاجمي ناواي بإغتياله قرب مكتبه ، ليأتي رد أنصار الجنرال باتيستا في اليوم التالي بالتوجة للقصرالرئاسي وقتل الرئيس جواو فييرا لتنطوي حقبة أكثر رئيس إثارة للجدل في تاريخ إفريقيا.
يدرك الرئيس الحالي عمر أمبالوا أن أمامه مهمة صعبه فبيساو دولة تعاني من الإضطرابات السياسية منذ الإستقلال حتى اليوم مما أثر سلباً على مؤشر الإقتصاد الوطني ومن ناحية أخرى يرغب الرئيس بإستثمارالإهتمام الدولي الذي تحظى به غينيا بيساو من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وإيران التي نجحت عام 2013 في عهد وزير الطاقة الإيراني السابق ماجد نامجو في بناء محطات لتوليد الطاقة الشمسية والكهرومائية حرصاً منا على تعزيز الدور الخليجي في غينيا بيساو أرى أن تعمل المملكة العربية السعودية على إرساء قيم إقتصادية قوية لتكتل خليجي إفريقي مستقبلي، خاصة أن المملكة العربية السعودية نجحت في دول إفريقية عديدة منها السنغال وساحل العاج في دعم التمويل الإسلامي وإصدار الصكوك الإسلامية وهذا سيُنعش الإقتصاد الأفريقي من ناحية، ويُحافظ على الأموال الخليجية بعيداً عن أي إبتزاز سياسي إقتصادي مُستقبلي من ناحية أخرى ، كما يمكن لدولة الإمارات دعم الشركات الإماراتية الوطنية التي تتميز بشراكتها مع الشركات العالمية العاملة في إفريقيا مثل شركة النابودة الإماراتية بإعتبارها الشركة الوحيدة الممثلة لشركة أشوك ليلاند العالمية في الإمارات إحدى أهم الشركات المصنعة للحافلات والشاحنات،والعمل على مضاعفة إستثمار الشركات الإماراتية العاملة في مشاريع السكك الحديدية والطرق خاصة أن للإمارات تجربة ناجحة مع شركتي إيسر التي قدمت إستثمار تجاوز المليار دولار لتطوير البنية التحتية في بيساو، وشركة بلمبيك الألمانية التي عززت القدرة التشغيلية للهيئة المسؤولة عن مراقبة بيساو لمياهها الإقليمية وإستثمرت مائتين مليون يورو في قطاع الطاقة وتطويرإمدادات المياة.
أما دولة قطر فتعتبر الدوحة من اللاعبين الأكثر نفوذاً في سوق الغاز الطبيعي المسال ولها خطتها لزيادة الطاقة الإنتاجية بحلول 2023-2024، ولدعم كل ذلك وقعت قطر مؤخراً إتفاقية الخدمات الجوية مفتوحة الأجواء بكامل حقوق النقل مع عدد من الدول الافريقية في الجنوب الافريقي وهذا يبشر بدور الدوحة المستقبلي ايضاً في الغرب الافريقي ، أما دولة الكويت تمثل الاسثمارات الكويتية عاملاً هاماً لدعم النمو والتطور في مجال الزراعة والصناعة والخدمات ، فلقد قامت الكويت بتطوير قطاع النقل في غينيا بيساو من سبعينات القرن الماضي من تطوير المطارات وتمويل طريق بيساو- برابيس وبيساو- بيومبو في عام 1989
وبالنسبة لعلاقة غينيا بيساو بجوارها الجغرافي كجمهورية السنغال فلقد تم إنشاء حدود بحرية بين غينيابيساو والسنغال لأول مرة أيام الاستعمار للدولتين بين البرتغال وفرنسا 1960 والتي حددت البحر الإقليمي والمناطق المتاخمة وحدود الجرف القاري بعد الإستقلال وبعد عدة سنوات من المفاوضات بين الجانبين تم الاتفاق عام 1989 على اعتماد الإتفاقية الإستعمارية التي وقعت 1960، ولكن غينيا بيساو تقدمت بطلب لمحكمة العدل الدولية للحكم في صحة قرار 1989 وأصدرت المحكمة حينها قراراً في 12 نوفمبر 1991 وذكرت المحكمة ان قرار 1989 كان صالحاً وأوصى به ان يحل الدولتان نزاعهما حول المنطقة الإقتصادية الخالصة في اسرع وقت ممكن ، وفي عام 1993 وافقت غينيابيساو والسنغال على إستغلال منطقة مشتركة ، إمتدت عبر الحدود البحرية منذ عام 1960 وتم بذلك حل المسائل الحدود البحرية بعد اكثر من عشرون عاماً.
غينيا بيساو دولة له أهميتها في الغرب الافريقي بحكم موقعها الجغرافي ومواردها الحيوية ورغم الاضطرابات السياسية التي تعاقبت عليها منذ الإستقلال إلا إنها استطاعت أن تمضي قدماً متحدية التدهور الإقتصادي الذي جاء نتيجة للتدهور السياسي ولكن تبدو الأمور اليوم في بيساو افضل حالاً من السابق وذلك بفضل دعم الاتحاد الافريقي ودعم بعض دول الجوار الإقليمي مثل جمهورية السنغال ممثلة بالرئيس ماكي صال الذي دعم سيرالإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي جاءت بالرئيس عمر أمبالوا الذي يواجة الكثير من التحديات مثلما تنتظره الكثير من الفرص.