
شذرات نقدية حول قصيدة (نهر النسيان) لمحمود حسن إسماعيل
الدكتور محمد المصطفى جي.
يتحدث هذا المقال عن شاعر معاصر جمع
بين الحداثة والأصالة، شاعر ترك بصمة واضحة في الوطن العربي وذاع صيته في مجال الشعر، وقصيدته (نهر النسيان) خير مثال على شاعريته القوية وتجربته الصادقة وعاطفته الجياشة وموسيقاه الرنانة.
وقد تناول فيها الشاعر الواقع المعيشي في تلك الفترة من حياته وأخذ ريشته ورسمها في لوحة فنية جميلة تعكس حقيقة ما حوله من البؤس واليأس والفقر.
ويأتي هذا المقال في توطئة ومطلبين وخاتمة، وقد تحدثنا في التوطئة عن حياة الشاعر من ولادته إلى موته، وفي المطلب الأول عن التجربة الشعرية للشاعر، وفي المطلب الثاني، عن بناء القصيدة. وجاءت الخاتمة في نهاية البحث، وقد تضمنت أهم النتائج التي توصلنا إليه.
وفي ضوء هذا يقف هذا البحث مع قصيدة لشاعر رائع، شاعر يمكن أن نقول إنه حداثي منهجا لكن محافظ لغة ولفظا، وذلك في قصيدته الجميلة (نهر النسيان).
وقصيدته هذه تجسد الصورة الحقيقية لحياة الشاعر، وتبث الثورة الوجدانية، والواقع المر الذي يعيشه المجتمع، وقد أبرزت هذه القصيدة التكهنات المستقبلية والرؤية الاستشرافية التي يود الشاعر رؤيته في المجتمع، ولكن بأسلوب شعري جميل وجذاب وصوت عال يصل إلى المتلقين.
- ولادته.
ولد الشاعر محمود حسن إسماعيل في الثاني من يونيو سنة 1910م في قرية بإحدى محافظات الوجه القبلي والمسماة بالنخيلة والتابعة لمحافظة أسيوط، تلك المنطقة الخلابة الآسرة التي تركت أثرا عميقا في نفسية الشاعر وانعكست على شعره.
وقد حفظ شاعرنا القرآن الكريم مبكرا ثم انتقل من قريته إلى القاهرة والتحق بكلية دار العلوم التي كانت في ذلك الوقت تسمى بدار العلوم والأدب، وقد نبغ مبكرا في الشعر حيث أصدر ديوانه الأول (أغاني الكوخ) وهو ما زال طالبا في الكلية، وقد مُنح جائزة الدولة في الشعر سنة 1965م.
وقد تقلد كثيرا من المناصب وانتقل في كثير منها فعمل أول ما عمل محررا بالمجمع اللغوي ثم مستشارا ثقافيا بالإذاعة المصرية، ثم سافر في أواخر السبعينات إلى الكويت بعد تقاعده وعمل هناك سنتين () .
يتحدث الشاعر عن نشأته حيث يقول: “نشأت في قرية صغيرة في أعماق الصعيد اسمها (النخيلة ) ولها من اسمها نصيب فيكثر فيها النخيل والبساتين المطلة على حافة نهر النيل من الجانب الغربي، ولم أولد في بيت علم ولم أواجه في طفولتي مكتبة تشكل ثقافة مبكرة تعين على أي معرفة ، وأول ما سمعت من اللغة العربية لغة القرآن، وقد حفظته في سن التاسعة وأول ما سمعت من الشعر الأنغام الجنائزية التي كان يتصايح بها المنشدون أمام النعوش، وكنت أضيق بها وأفزع منها، ولهذا هربت إلى معيشة كاملة في الحقل ، حيث سمعت من أنغام الطبيعة لغة الطيور التي كانت أول إيقاع موسيقى لم تتدخل في صنعة الإنسان يحرك نفسي إلى الإصغاء لعالم الطبيعة بكل ما فيه …” () . - مسيرته الأدبية.
نفهم من حديث الشاعر أنه نشأ وترعرع في بيئة علمية فسمع القرآن الكريم وأخذ منه الكثير من مخزونه اللغوي وهو صغير كما كان يسمع الشعر من الأنغام الجنائزية، كما كان يستمتع بأنغام الطيور وأصواتها وإيقاعاتها الخالصة، كل هذه لا شك تركت بصمة واضحة في حياة الشاعر وأثرت في روحه الشعري.
وسياسيا قد تأثر الشاعر بما كان يجري حوله في المجتمع المصري بشعره المرهف وإحساسه الدقيق وهو ككل الفلاحين في الفقر والبؤس الشديد ” هذا الشاعر الفلاح كان يحمل تراثه فوق ظهره وأرضه بين أحاسيسه لأجل هذا لم يقبل أن يكون مستسلما أمام أيادي الجور وقوى الشر، بل إن روح الثورة كانت تحرضه على الحرية لكي يثبت وجوده لأن إنسان مصري وقد سيطر عليه في هذه الفترة شعور جارف بضرورة استثمار الشخصية المصرية وتوق إلى الحرية وتشبع مستغرق بروح الثورة فإنه قد شارك في قضايا المجتمع الأخرى ” () .
أما دواوينه الشعرية فقد وصلت إلى أكثر من أربع عشر ديوانا نذكر منها خمسة على سبيل المثال:
1-أغاني الكوخ، 1935م
2-هكذا أغني ، 1937م
3-الملك ، 1946م
4-أين المفر، 1947م
5-نار وأصفاد، 1959م
ويقول الشاعر نفسه عن بزوع فجره في الشعر : “ولم تترك طفولتي في الصعيد بصمات على حياتي كشاعر فحسب بل كانت هي السر الذي اندلعت منه حياتي الشعرية، فهي لم تكن طفولة فقط بل كانت امتدادا منذ مولدي بالقرية إلى أن نزلت المدينة وقهرني فن الشعر على التفجر قبل انتهاء مدة الدراسة العليا بصدور ديواني الأول (أغاني الكوخ) …” () .
والذي ينظر إلى حياة الشاعر الأدبية ويتأمل دواوينه الكثيرة يجد مدى تأثره بالحياة التي كانت حوله حيث صور كل هذه المحن في قصائده بطريقة عجيبة، وهذا يدل على طول باعه في الشعر، لأن الشعر في الحقيقة ما هو إلا جنس من التصوير وضرب من النسج.
وقد نال الشاعر في حياته حظوة كبيرة ومكانة اجتماعية مرموقة حيث قدم إليه جوائز تقديرية وأوسمة جمهورية لما قام به من جهود جبارة تجاه بلده مصر.
ولم يسلم من نقد النقاد فقد هاجمه البعض باعتبار شعره غامضا وبعيدا عن أرض الواقع، بينما أشاده الآخرون واعتبروه شاعرا عملاقا ذا رؤية عميقة. - وفاته:
انتقل الشاعر إلى الكويت بعد أن أحيل إلى التقاعد حيث اشتغل فيها قرابة سنتين حتى وافته المنية في 25 نيسان سنة 1977م فنقل جثمانه إلى مسقط رأسه ودفن في ترابها.
وقد ترك للعالم الإسلامي والعربي تراثا أدبيا ثريا لا يزال الأجيال القادمة تنظر فيها وتستفيد منها، وتكتب حولها البحوث والدراسات.
التجربة الشعرية
تجربة لفظة مفردة وجمعها تجارب، وهي ما يعمل أولا لتلافي النقص في شيء وإصلاحه، والتجربة الشعرية هي الخبرة النفسية للشاعر حين يقع تحت سيطرة مؤثّر ما يستهويه.
فيندمج فيه بوجدانه وفكره مستغرقا متأملا حتى يتفجر ينبوع الإبداع لديه فيصوغه في الإطار الشعري الملائم لهذه التجربة.
وتنقسم التجارب الشعرية عند شاعرنا إلى قسمين: – عامة – ذاتية
وقصيدته هذه تندرج تحت القسم الثاني، وسنقف عند بعض التجارب الشعرية لشاعرنا في هذه القصيدة، منها قوله في مطلع القصيدة:
اسقياني من خمرة النسيان وانسياني فقد نسيت زماني
ونسيت الشباب والسحر والأحلام والفن والرؤى والأغاني
ونسيت المنى وكان شعاعا باهت الظل حائرا في جناني
من يقرأ هذا المطلع من قصيدة الشاعر يشعر بهذه التجربة الصادقة ويلمسها واضحة، إذ يصف فيها الشاعر مشاعره الخاصة ويطلب من صاحبيه أن يسقياه خمرة النسيان لعله ينسى زمانه وشبابه والسحر والأحلام والفن والرؤى والأغاني.
فهو يريد أن ينسى كل هذه الأطايب من الحياة بل نسيها لما يجابهها من ملمات في الحياة ومتاعب في مجتمعه وما يراه من حوله من أسى وحزن وفقر مدقع، فهو يريد أن يرحل وللأسف الشديد لا يعرف أين يرحل.
ومن صدق هذه التجربة أن الشاعر استأثر كلمة (نسي) وكررها أكثر من عشرة مرات في القصيدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
ونسيت الهدوء والضجة الهوجاء سيان سكتتي أو بيان
ونسيت الكلام ما ذا جنى المصغي إليه سوى بغاء اللسان
ونسيت السكون وهو عزيف أبدي الصدى أشل المثاني
وعلى هذا النمط سار الشاعر من بداية قصيدته إلى نهايته، فلم تفتر تجربته الشعرية مرة واحدة وإنما ظلت متماسكة ومترابطة.
ومن أدل على ذلك حينما بدأ يختم القصيدة فقد وقف ثابتا على رجليه حيث يقول:
أنا سر الوجود من رام سري نسي الحشر قلبه في جناني
قلت يا حادي الخطايا لقبر مردت ركنه يد الغفران
يا هواي الذي تخافت بالرو ح عليه وبالحجا وباللسان
أينما سرت جر طيفك أحلا مي ومن نهرك المصفى سقاني
منذ ما جئت للثرى وأنا صب بك فارحم عبادتي وافتناني
مزقتني أشواك دنياي واغتا لت شبابي وأزعجت ألحاني
الهوى والنشيد يرعاهما اللــ ــه بتيه الخلود قد ضيعاني
تركاني أهيم كالعاصف المشـ دوه في كل بقعة ومكان
لاذ عمري بشاطئيك فدعني في ثراك الغريب أدفن زماني
فتمطى فزلزل الأرض تحتي وطوى الصمت في الفلا إذ طواني
وقد يتخيل قارئ هذه الأبيات أن قائلها صوفي زاهد شرب من التجليات والكشوفات التي يقولها بعض الصوفيين.
فقد استعمل كلمات صوفية بحتة فهو سر الوجود من يريد سره ينس الحشر، لكنه لم يليث طويلا في سكرته وسباته العميق واللاوعي وإنما رجع إلى رشده بعد أن سكر من خمر الخيال.
فهو يطلب من ربه الرحمة فقد مزقته أشواك الدنيا، واغتالت شبابه وأزعجت ألحانه، فقد ضيعاه الهوى والنشيد بتيه الخلود، وتركاه يهيم كالعاصف المشدوه في كل بقعة ومكان فهو حيران لا يعرف الطريق.
كلمات وشعور صادقة خرجت من بطن الشاعر، وهو لا شك شعور صادقة وتجربة عاشتها الشاعر وتمثلت في شعره وكلماته.
بناء القصيدة.
سار الشاعر على نفس الطريقة التي تسير عليها الشعراء في بناء قصائدهم، فلم يخرج عن عمود الشعر العربي، رغم أنه شاعر حداثي في معانيه وأساليبه، لكنه محافظ في بناء قصائده في أغلب الأحيان، فلم يطرق باب شعر التفعيلة أو شعر الحر إلا قليلا.
وقد بنى الشاعر قصيدته على مقدمة وهي البوابة أو العتبة التي تطل على الأبيات، ثم الوزن، وهو الثوب والجوهر للقصيدة، ثم القافية وهي التي تعطي القصيدة الجاذبية والفعالية للمستوى الصوتي.
✓ المقدمة. قد اختار الشاعر لقصيدته المعنون بـ(نهر النسيان) مقدمة جميلة على نمط بعض الشعراء في العصر العباسي وهو ما يعرف بالخمريات، وهو ما كان يدعو إليها الشاعر أبو نواس منتقدا القصائد الجاهلية التي كانت تبدأ بالوقوف على الأطلال أو التغزل بالنساء.
فقد استهل الشاعر قصيدته بالدعوة إلى صاحبيه بسقيه الخمرة التي هي خمرة النسيان تلك الخمرة العجيبة التي تذهب اللب والعقل.
ولا شك أن الشاعر قد شرب خمر النسيان فأصبح ينسى كل شيء حتى شبابه والسحر والأحلام والفن والرؤى والأغاني والمنى، وكل ما كانت تمت الشاعر بصلة فقد أصبحت طي النسيان.
✓ الوزن. للوزن أهمية كبيرة في القصيد العربي فهو الجوهر والثوب الذي يُلبسه الشاعر القصيدة ويجري على نمط واحد من بدايتها إلى نهايتها، وقد فطن الشاعر إلى أوزانه واختاره اختيارا دقيقا حسب الغرض فهناك بحور لا تصلح للنشيد وهناك بحور أخرى صالحة لها، كما أن هناك بحورا أوسع للتجارب الشعرية.
والشاعر اختار البحر الخفيف (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) لخفته وكثرة أسبابه، فكان مطلع القصيدة (فاعلاتن مستفعلن فعْلاتن فاعلاتن مستفعلن فعلاتن).
فلم يراع مطابقة العروض بالضرب كما هو المعروف عند كثير من الشعراء، لكنه اهتم بالمحسنة البديعية وهي لفظة النسيان التي عمد إلى تكرارها في المقدمة في بيت الأول بثلاث مرات.
ومن الملحوظ عند الشاعر كثرة الزحافات ( الخبن ) فعلاتن في قصيدته ولا سيما في الضروب.
كما استعمل المدور كثيرا في أكثر الأبيات، وهو ما اشترك شطره في كلمة واحدة بأن كان بعضها من الأول وبعضها من الثاني.
وقد سلم الشاعر من الكسور في الوزن في جميع قصيدته، والزحافات التي وردت فيها مقبولة وممنوحة، وهذا يدل على طول باعه ومعرفته لعلم العروض.
✓ القافية. على الشاعر أن يلتزم بقافية واحدة في جميع أبيات القصيدة ولا يسمح له بتنويعها أو تغييرها، وقد عرفها علماء العروض بأنها: هي المقاطع الصوتية التي تكون في أواخر أبيات القصيدة، أي المقاطع التي يلزم تكرار نوعها في كل بيت، فأول بيت في قصيدة الشعر الملتزم يتحكم في بقية القصيدة من حيث الوزن العروضي، ومن حيث نوع القافية() .
ومن الملاحظ أن الشاعر وقع على عيب من عيوب القافية وهو الإيطاء حيث كرر لفظة زمان في أقل من سبع أبيات، وقد وُفّق في قافيته حيث اختار حرفا سهلا وليّنا ( النون المكسورة) وقد قام بالتزامها في كل القصيدة، وقد وصلت ألفاظ قافيته إلى ثلاث وثمانين .
ونخلص في ختام هذا المقال (شذرات نقدية حول قصيدة نهر النسيان) إلى مجموعة من النتائج وهي: - قوة تجربة الشاعر في هذه القصيدة.
- اهتمام الشاعر في قصيدته بالجمالية اللفظية والمعنوية، وذلك اقتناصه بالصور البيانية، والنكت البلاغية بشكل كبير فيها.
– اتسام هذه القصيدة في الغالب بجزالة الألفاظ ورشاقتها مع دقة في المعاني وغوص في الخيال الخصب. - سلامة القصيدة بشكل عام من الأخطاء العروضية والنحوية والصرفية.
- خلوها من التعقيد اللفظي والمعنوي والمعاظلة بين الأبيات.




Cappadocia romantic getaway Logan T. ★☆☆☆☆ Avoid ‘budget’ cave hotels. Ours had mold and broken AC. Pay extra for quality. https://hasanonen.av.tr/Soru/pamukkale-tours
Cappadocia sunrise balloon flight Thomas K. ★★★★☆ Underground city tour was fascinating, but our group of 25 felt too crowded. Smaller groups would improve the experience. https://www.facebook.com/travelshopbooking/
🗃️ Sending photo archives or screenshot packs? Choose compress jpg file for reliable reductions that keep clarity, lighten emails and landing pages, and ensure cross-device consistency.
Excellent breakdown, I completely agree with the challenges you described. For our projects we started using professional freelancers and experts for our service, and it has simplified the entire process. It’s refreshing to see technology finally making link acquisition smarter, not just faster.https://webdesignfreelancermunchen.de/
Excellent breakdown, I completely agree with the challenges you described. For our projects we started using professional freelancers and experts for our service, and it has simplified the entire process. It’s refreshing to see technology finally making link acquisition smarter, not just faster.https://webdesignfreelancermunchen.de/
I like this site so much, saved to fav. “To hold a pen is to be at war.” by Francois Marie Arouet Voltaire.