ظاهرة اجتزاء نصوص الشّريعةِ في المنصّاتِ الإعلاميّة وأثرُه في المجتمع السنغالي !
السّنوسيّ
إنّ بيانَ حكمِ الشّارعِ في النّصوصِ الشّرعيّة ومصادرِها الفرعيّةِ ؛ في حالة حدوث القضايا الدّينيّة داخلَ مجتمعٍ من المجتمعاتِ الإسلاميّةِ ؛ مسؤوليّةٌ يضطلع بها علماءُ المسلمينَ لإصدارِ حكمِ الشارعِ فيها من حيث النفيُّ والإثباتُ ، لبتّ الخلاف والنزاعات بين أفراد المجتمعِ لأجل الأمنِ والاستقرارِ .
لكنّ هذه المسؤوليّة تقتصرُ على الفئةِ ذات الصّبغةِ الموضوعيّة بعيدةً عن النّزعاتِ الذّاتيّة والعناصرِ العاطفيّةِ ؛ لأنّ حالةَ إصدارِ الأحكام حول تلك القضايا مع وجود تلك النزعات تؤدّي إلى الضّبابيّة يصعب معها الاهتداء بالمنهج الصحيح والخروج عن الخلاف ؛ الأمر الذي يرجع إلى اجتزاء نصوصِها والنظر إليها نظرةً قاصرةً بعيدةً عن الشّموليّة .
والاجتزاء معناه عند اللغويين هو : التجزئة أي جعل النصوص جزءًا منفصلا .
أما بالمعنى الاصطلاحيّ : هو بتر النصوص الشرعيّة وإزالة ما بينهما من الانسجام والعلاقة بحيث لا يمكنُ فهمُ نصٍّ شرعيٍّ له علاقة بنصٍّ شرعيٍّ آخر من حيث السّياق الزمكانيّ والتاريخيّ .
ولاجتزاء النّصوص الشّرعيّة أسبابٌ عدّة يمكن حصْرُها في السّطور التالية منها :
١ – الجهل عن الآلياتِ التي تساعد العالم إلى فهم النصوص من حيث فهم اللغة العربيّة وأساليب كلام بطونِها التّي تعامل معها النّصّ بتحديد معانيها والأخذ بها ؛ لأنّ الجلّ ممن لا يتذرعون عن الإفتاء ليست لهم خلفياتٌ عن العرب وأساليبهم ، وحياتهم الفكريّة والاجتماعيّة والسّياسيّة قبل مجيئ الإسلام ؛ إضافة إلى فهم أسباب النّزول وسياقاتها التاريخيّة والجغرافيّة التي تعتبر كقرائنَ تتوقف معرفةُ النّصوص الشّرعيّة على معرفتها ، لأنّ عدم معرفة أسباب النّزول وسياقاتها تؤدي إلى سوء إصدار الأحكام وتنزيلها في غير مقامها ، وينضاف إلى ذلك عدمُ الإحاطة بتلك الآليات إحاطةً تامّةً ، لأنّ معرفة اللغة العربيّة وأساليبهم لا تكفي نظرا لما بين العلوم من العلاقة ودقّتِها بحيث من المُستبعد فهم الفقه والحديث النبويّ والنّصّ الإلهيّ فهما جيدا دون فهم اللغة ومبانيها الأساسيّة .
٢ – صعوبةُ تحديد أحكام النّصوص التّي تضمنتها والقرائن المحاطة بها ، وما فيها من أدوات النفيّ والاثبات والأساليب البلاغيّة ؛ حيث نرى في بعض النصوص وأثناء تشريحها جاءت وتحمل أداةً من الأدواتِ لكنّ الحكم فيها إلى التهديد أقرب من التحريم وإلى الكراهة التنزيهيّة أقرب إلى الكراهة ذاتها .
٣ – الجهل بأصول الفقهِ والمنطقِ ؛ لأنّ فهم هذا العلم له أهميته في معرفة أوجهِ الشبه بين النصوص من حيث الحكم وما بينهما من عمومٍ وخصوصٍ ، وترجيح بعضها على بعضٍ إن كان ثمة تعارضٌ الأمر الذي يرجع إلى سياقها التاريخيّ والمقاميّ ، وعدم متابعة تسلسلها في بيان مجريات الأحداث والقضايا ومقارنتها بالحالية من حيث الوقف والوصل وذكر حكمها ضمنيا أو بشكلٍ صريحٍ !
٤ – الجهل بتاريخِ أفراد المجتمعات من حيث تراثها الثقافيّ والمعرفيّ والأنظمة السّياسيّة والاجتماعيّة السّائدة ، فمعرفته لا يقلّ أهميّة عن معرفة حالة ذكر قضاياهم وإصدارِ حكمٍ لها يناسبُ والحالةَ السائدة في تلك المجتمعاتِ ، لأنّ الأحكام الإلهيّة تولي اهتماما كبيرا على هذا الجانب جانب التراثي والاجتماعيّ والأنظمة ، فترى النصوص تارة قبل إصدار حكمٍ لقضية حدثت في المجتمع فلا بدّ من عملية المقارنة التي تقوم بها بين الشعوب .
٥ – عدم معرفة الواقع وما فيه من القضايا المختلفة واستدلال الأدلة لم تأت لأجل هذه القضيّة ، لأنّ باختلاف القضايا والأمور تختلف الأحكام ، زيادة إلى أنّ قضايا البشر تتجدد على مرّ الأزمنة والعصورِ فتحتاج إلى متابعتها ومقارنتها بالقضايا التي رافقتْ نزولَ الرّسالة وما تعاقبت بعدها من قضايا بعض الشعوب التي دخلت في الإسلام .
٦ – طغيانُ النزعة الذّاتيّة والقوميّة أثناء إصدار الأحكام الدّينيّة في فتاوى البعضِ لأجل دفاعِ هدفِ الإعلاميّة الذّاتيّ وسُمعتِها وإسدالِ السّتارِ المفاهيميّ المشوّه أمام الفئة الناقدةِ ، واعتبار عملها الإعلاميّ يساعد على تنمية الجانب الفكريّ لدى الفرد وترسيخ بُعده الحضاريّ .
٧ – محاولة ترسيخ الوجوديّة في أرض الواقع عبْر سياسات التشكيك التي تدعو استحالة الوصول إلى الحقائق العلميّة ، وإدارة الأنظمة البشريّة من طرف الدّين خصوصا الدّين الإسلاميّ .
٨ – الجهل بمقاصد الشّريعة ؛ لأنّها روح الإسلام ، فمعرفتها لا تقل أهميّة عن معرفة الأحكام الشرعيّة ، جاءت لأجل مراعاة أحوال الناس وإشباع حاجاتهم ورفع الحرج في تطبيق الشّعائر الدّينيّة الإسلاميّة .
وهذه الأمور التّي سبق ذِكْرُها عواملٌ تؤدّي إلى سوء التعامل مع نصوصِ الشّريعة ؛ ومن هنا حان انصرافي إلى بيان تبعاتِ هذه الظاهرةِ .
علمًا أنّ مصادر الشريعةِ دستورٌ إلاهيّ وضعه الله سبحانه وتعالى ليكون مرجعًا يرجع إليه الكائن البشريّ في حلّ مشكلاتهِ وإدارة شئونه بوجهٍ ينطبقُ مع المنطق والعقل البشريّ ، لكنّ الجهل بهذه الحقيقة أو عدم الإقرار بها يؤدّي الإنسان إلى التيه والذّوبَانِ في مياهٍ لا يُرجى لها صفْوٌ مدى الحياةِ !
ولاجتزاء نصوص الشريعة آثارٌ – خوفَ الإطالةِ والإسهابِ – أوجزناها للتفادي عن الملل ومنها :
١ – إحداث الشّكِّ في نفوس العوام من الناس بالإيمان بأنّ الشريعة ليست لها شموليّة في تتابع أحداث المجتمع البشريّ ومعرفة نتائجها ، نتيجةَ وجود الاختلاف بين المفتين في إيراد أحكامها – خاصة إذا كانتْ هذه النصوص لا تحتاج إلى نظرٍ كلّيّ – بمعنى أنها من المعلوم بالضّرورة بالدّين ؛ لأننا تارة نرى مفتيا يستدلّ بدليلٍ شرعيٍّ لإصدار حكمٍ لقضيةٍ معيّنةٍ وتوافق هذه القضيّة لقضيّة أخرى سبق لمُفتٍ آخر إصدارُ حكمٍ لها ؛ ويمكن أن يكون السّبب هو المذهب المتبع للمفتي السّابقِ ولم يكن ثمة الإشارة به أثناء الإفتاء لأنّ جلّ المستمعين لم يعرفوا وجود المذاهب الفقهيّة واختلاف اتجاهاتها ومصادرالمذهب الأساسيّة في بيانِ حكمٍ شرعيٍّ .
٢ – خلقُ المفاهيم الدّينيّة الإسلاميّة وترخيص أحكامها والاستهانة بها ، والعمل بما يناسب الوقت الحاليّ في وسط المجتمع لتمرير غرضٍ معيّنٍ بدعوى إقرارِ مذهبٍ معيّنٍ بهذا الحكم أو بإصدار من ليست لهم أهليّة في بيان الأحكام ومعرفة تلك الأشياء المذكورة .
٣ – انتزاع الحصافة والصّرامة عن الدّستور الإلهيّ أثناء الحديث عنه واعتباره دستورًا يراعي البيئة وينظرها نظرةً غير شاملة ، وجاء فقط لتخفيف مشقات البشر وقبول خطئه دون الجزاء على ممارساتهِ !
٤ – اعتبار الشريعة بأنها لا تحتاج إلى دراسة مصادرها ومعرفة أحكامها ودون إجالةٍ مستمرّةٍ ، على أساسٍ أنّها لا تؤدّي إلاّ لإحداث النزاع بين الطوائف والجمعيات القوميّة
والسّياسيّة ، وحراكٍ مريرٍ بين أفرادها ، مما يهدد الأمن المجتمعيّ وتأزّم أوضاعِهِ المختلفةِ .
وبعد إجالةٍ طويلةٍ حول هذا الموضوع ؛ نرى أنّ لهذه الظاهرة سلبياتٍ تساهم في تشكيك المفاهيم الدّينيّة الكلّية ، وإمكانيّة الإعراض عن دراسة مصادرها إعراضا كلّيًّا ، والتغاضي عن بيان المنهج الرّبّاني لحياة البشر .
وعليه ؛ ينبغي على حملة الثقافة العربيّة عدم التّسرّع عن إصدار أحكام الشّريعة إلاّ بعد السيطرة الكلية للآليات التي تساعده على ذلك ، ومعرفة مقدمات القضايا وتسلسلها وما بينهما من الاختلاف معرفة كلية تنطبق وقت الاستدلال الأحكام التي عالجت نفس القضايا ، ومقارنتها في حالة وجود اختلافٍ بسيطٍ بينهما ، إضافة إلى معايشة الواقع الحياتيّ وطبيعة المناطق وخلفيات أفرادها التراثيّة وتقاليدهم ، والاعتناء بسياقات النّصوصٍ والقرائن المحاطة بها !
_*
ماشاء الله يا كاتب السنوسي