
المعارك السياسية في السنغال
والمخاطر المحدقة إلى متى ؟
أ. فاضل غي
لست سياسيا ولست من أنصار السياسيين ، ولم أنضم إلى حزب سياسي في حياتي ، لكنني إعلامي مراقب ، ومواطن ضمن المواطنين الغيورين على أمن البلاد واستقرارها ، والحريصين على المكاسب الديمقراطية المتجذرة في مجتمعنا السنغالي ،
وكمراقب لمجريات الشأن السياسي في بلادنا أرى أن قادة الرأي في السنغال تقاعسوا طويلا عن واجب النصح والتوجيه للسياسيين الذين باتوا يتصرفون في المشهد كما يحلو لهم دون إنذار ولا تحذير ، وكان من الممكن إيقاف حدة التنمر والعنف بين الفاعلين على الحلبة السياسية بالجلوس معهم على طاولة الحديث والحوار المثمر البناء ..
وقناعتي الشخصية أن هذا الجو المضطرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لا يجب السكوت عليه ، لأن المشهد السياسي بات يتطبع بطابع خطير ، ويأخذ مسارا ظل منذ ثلاث سنوات يولّد الأحقاد والتباغض بين الأشقاء في بلاد كبيرة ذات تاريخ سياسي وديني مشرّف ، وأمن واستقرار تغبط عليهما ، وعرفت السنغال وعاشت الديمقراطية منذ قرون ضاربة في القدم ، فمثلا في عهد الشيخ سليمان بال 1776-1880 ، كانت هناك دولة متكاملة الأطراف تحكمها الديمقراطية بعدالة واستقامة مستوحتان من النهج الإسلامي في الحكم الرشيد ، وأوجد جيرنو سليمان بال ورفاقه مجلسا للشورى ، وعاش الناس في ظل حكم عادل رشيد ، بل كان هناك في السنغال في بدايات القرن العشرين منافسات سياسية حامية الوطيس ، وانتخابات بين رجال سياسيين معروفين ، بين بليز جانج ونغالاندو جوف ، وكان لكل واحد منهما أنصار ومؤيدون ، وكان بعض مشايخنا في ذلك الوقت يرشدون ويوجهون المرشحين ،بل ويحذرونهم ،وتحضرني الرسالة المفتوحة التي وجهها مفتي الديار السنغالية في عهده الشيخ امباكي بوسو إلى أحد المرشحين وهو “نغالاندو ” يحذره فيها من مواعيد عرقوب عند طلبه أصوات المواطنين ،وينصحه باحترام الوعود الانتخابية ، لكن كل شيء كان ينتهي بوئام تام مع حرص الجميع على الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها ، وللأسف الشديد أصبحت السياسة تمارس في دولتنا بالحيل والمكائد ، وبالعنف اللفظي ومظاهرات ذات طابع لم يعرفه السنغاليون من قبل.
وخلّفت هذه الممارسات مشاعر كراهية متبادلة بين السياسيين ، والغريب أنه لم يعد لحرية الرأي ولا للديمقراطية في بلادنا حراس ،
رموز الصحافة المستقلة مندمجون في الوسط السياسي ، وأعلن بعضهم عن انصرافهم عن بلاط صاحبة الجلالة فأصبحوا سياسيين إما في أروقة النظام الحاكم ، أو داخل الأحزاب المعارضة ، فلم نعد نرى إفتتاحيات الانذار والتوجية في كبريات الصحف ، وتسليط الأضواء على نقائص سياسات الدولة في المجالات الزراعية والإجتماعية والتعليمية والإقتصادية والثقافية ، إفتتاحيات في الصفحات الأولى للجرائد تبصّر للمعارضة السياسية أين يجب التركيز على انتقاد مااعوج من ممارسات النظام الحاكم ، وأين ينبغي الجلوس للحوار أمام القضايا الهامة لمصلحة الوطن ، أما منظمات المجتمع المدني فلم تعد تلعب دورها ، فجلهم الآن عرضة لتهم الانحياز للمعارضة و تهمة “سياسيين مختفين ” خلف شعارات الحياد والوطنية والعدالة والشفافية ،
فنحن في أمس الحاجة لخلق أجواء التهدئة ، ودعوة السياسيين جميعا على اختلاف الانتماءات إلى المصالحة الوطنية ، ونبذ الأحقاد ،و السعي سريعا لوضع حد للمد الانتقامي وعرض العضلات .
فنحن مقبلون على انتخابات رئاسية في فبراير القادم تحت هذا الجو المشحون بالحقد والغضب ومشاعر الكراهية ، وما أرى أن جهود الحوار يجب أن تتوقف ،فعلى أصحاب النفوذ والأصوات المسموعة أن يسعوا إلى مصالحة النظام والخصوم السياسيين ، فمشكلة المشاكل تكمن في الحسابات الحزبية الضيقة وعدم فتح باب الترشح أمام جميع من يرغبون بالمشاركة من المواطنين في السباق الرئاسي المقبل ، وبالتالي يجب أن نعمل جميعا على ما يهدئ الوضع ويعيد التفاهم بين المتنازعين ،ونسعى إلى نبذ العداوة التي أصبحت سيدة الموقف ، وندعو كل الأحزاب إلى انتزاع مشاعر الكراهية انتزاعًا ، حتى تسترد البلاد وجهها السلمي اللامع ، ونضع حدا للمواجهات والعنف والعنف المضاد .وهو أمر إذا استمر على هذه الوتيرة التي نعيشها قد يدفع البلاد إلى مستنقع يصعب الخروج منه .