actualite

السنغال: شهادة حاج بنجاح حجّ هذا العام 2023

أ. موسى نيانغ

عندما يقهر علوّ الهمّة عتوّ الحديد
الآن وقد أسدل السّتار على مناسك الحجّ في نسخته 2023، وبدأ الحجّاج يستجمعون ما تبقّى من قواهم للعودة إلى الديار أو لزيارة الحبيب في المدينة المنورة ، أو لملئ السّجّل في حوزة ملائكة الرحمان بالعمرة والطواف والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام، انتهازا لفرصة قد لا تعود في رحلة العمر. في هذه اللحظات المباركة أجد نفسي مدفوعا إلى رفع يراعي لأخطّ بعض السطور عن رحلة الحجّ هذا العام. وقبل ذلك لا بدّ لنا أن نوجّه كلمات الحمد والشّكر إلى المولى القدير الذي أنعم علينا بنعمة الحجّ وتولى بعثة السنغال بتوفيقه، وما كان يتيسرّ ذلك، لولا عنايته ورحمته بنا، ونحن المقصّرون في حقّه.
أحسّ بواجب الشهادة يجثم على كياني ويشدّ على فكري ويضغط على قلمي لأفرغ على صفحات ناصعة البياض من تاريخ الحجّ في السنغال بمداد العرق السائل من جبين وأجساد المبتعثين للحجّ من دولة السنغال وهم يتلحفّون لظى الحرارة المضنية المتدفقة من جبال مكّة الحامية وعرصاتها الساخنة وقيعانها الواقدة ما بين: دليل يقود أفواجا من الحجّاج لأداء شعيرة من الشعائر، ومترجّل يجوب شوارع مكة أو منى أو عرفات بحثا عن حاجّ أو حاجّة نشز عن المجموعة، ومنكبّ على عربة يدفعها بعزم وإخلاص لنقل مريض أو حاجّ بلغ به الكبر عتيّا.
وأنا أشاهد هؤلاء المبتعثين وهم يتكبّدون المضرّات ويتحمّلون المشقّات ويتضوّرون جوعا وعطشا تحت وهج الحرّ، وأنا أرمق عن كثب المفوّض العامّ لحجّاج السنغال، الدكتور أبابكر صار، وهو يتنقل بين الحجّاج، ويصعد إلى الباصات ليرحّب بهم في البلد الأمين، ويتجوّل ما بين المشاعر ليطمئنّ على راحة الحجّاج، استشعارا منه بعظم المسئولية. وأنا أشهد بأمّ عيني كلّ هذا استقرّ في نفسي تعاظم فرص نجاح حجّ هذا العام وازددت إيمانا بزيف وخفّة تلك الحناجر الغائظة والقلوب الزائفة والأبواق الفارغة التي خرجت في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تريد النيل من حسن تنظيم الحجّ هذا العام ومن سمعة المفوّض العامّ الذي لم يغمض له جفن ولم يستقرّ له نعس منذ بدأت ترتيبات الإعداد للحجّ هذا العام.
لقد لمحت من المبتعثين والمشرفين من مكة إلى منى، مرورا بعرفات ومزدلفة حرصا منقطع النظير على تقديم خدمات جيّدة للحجّاج السّنغاليين، ومن المفوّض العامّ حضورا مكثّفا في الميدان للإشراف والمتابعة، رغم ثقل التدابير الأمنية وصرامة الإجراءات التنظيمية والتي قد تحول أحيانا دون تحقيق الطموحات في تقديم أرقى الخدمات للحجّاج.


نعم قد لا يخلو أيّ تنظيم لهذا الكمّ الهائل من البشر من بعض النقائص والهفوات، ولكنها لا تعزى إلى المنظّمين دائما. فقد يعود السبب غالبا إلى عدم مراعاة النظام من بعض الحجّاج أنفسهم أو من بعض الوكالات التي أوفدتهم.
ولولا طبيعة بعض من القوم في خرق القوانين والتمرد على النظام وحرص البعض على تأدية مناسكهم على أحرّ من الجمر بدون التقيّد بما تمّ تخطيطه وبرمجته من قبل بعثة الحجّ، ما انحلّ عقد من سلسلة التدابير التي أحكمت المفوّضية العامّة سبكها وما انقضّ غزل التنفيذ أنكاثا من بعد قوّة التخطيط والتنظيم.
والحمد لله أن فطن وتصدّى لتلك الخروقات رجال هممهم كالجبال وصبرهم يستعصي على الدهر ورحمتهم تجاري رحمة الآباء والأمهات بأبنائهم، فإذا بالصعوبات تتحوّل ذللا، والمشاكل حلولا، والعقبات جسورا عبر منها الحجّاج إلى برّ الأمان، أمان أداء مناسك الحجّ بشروطها وأركانها، وكلّهم أمل ورجاء في تسجيل ميلاد جديد، وتحقيق حجّ مبرور، وتوفيق ذنب مغفور، وتعزيز سعي مشكور، وتلبية دعاء مرفوع إلى ربّ الكعبة أن يعمّ السّلام والوئام والقرار أرض السنغال وشعبه.
إن علوّ الهمّة والوعي بثقل المسئولية كانت السّمة البارزة التي سمحت برفع التّحدي وطيّ الحديد في نقل أكثر من اثني عشر ألف حاجّ وإسكانهم وتنظيم زياراتهم وإرشادهم لأداء مناسكهم على أحسن الوجوه.
فإلى الأمام، جنود الحجّ، بحداء الرّكب الحافز ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون…” التوبة، آية 106 ” والله معكم ولن يتركم أعمالكم” سورة محمد آية 35.

حاجّ من السنغال
نسخة 2023
mouniang02@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى